الأربعاء، 16 يوليو 2014

مِنْ أَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ وَمِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،




يقول محمد بن فضيل الضبي في " الدعاء 107 " :
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ " إِنَّ مِنْ أَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ . قَالَ : إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ ، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : اتَّقِ اللَّهَ ، فَيَقُولَ : عَلَيْكَ نَفْسَكَ " . 


و هذا صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه.


فمن أحب الكلام إلى الله أن يقول الرجل:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ . إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ ".


و هذا الكلام فيه عليمن عظيمين:
- العلم بالله الذي يوجب التسبيح والتحميد والمحبة والتعظيم والتَّأَلُّهَ لله جل في علاه.
- وفيه أيضا العلم بالنفس الذي يوجب الإستغفار والتوبة النصوح .


يقول ابن القيم في " الوابل الصيب " ص 7-8 :
وهذا معنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».
فجمع في قوله صلي الله عليه وسلم أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل.

فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلساً، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً ولا سبباً يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف، والافلاس المحض، دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته وفقره إليه، وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة، وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر، إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته. ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية، ولا حجاب أغلظ من الدعوى.

والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها: حب كامل، وذل تام.
ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك الأصلي المتقدمين وهما مشاهدة المنة التي تورث المحبة، ومطالعة عيب النفس والعمل التي تورث الذل التام، وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على غره وغيلة، وما أسرع ما ينعشه الله عز وجل ويجبره ويتداركه برحمته." اهـ



ومن أكبر الذنوب عند الله :
" أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : اتَّقِ اللَّهَ ، فَيَقُولَ : عَلَيْكَ نَفْسَكَ ".


وهذا كبر. والكبر موجب للنار والعياذ بالله.

يقول ابن أبي الدنيا في " التواضع 197 ":
حَدَّثَنَا أَحْمَد بَنْ مَنِيع، حَدَّثَنَا مَرْوَان بَنْ شُجَاع، عَنْ إِبْرَاهِيم بْنَ أَبِي عبلة، عَنْ أَبِي سَلَمَة بَن عَبْد الرَّحْمَن قاَلَ: الْتَقَى عَبْدُ اللهِ بْنَ عُمَر وَعَبْدُ اللهِ بَنْ عَمْرُو عَلَى المَرْوَة فَتَوَافَقَا فَمَضَى ابْن عَمْرُو وَأَقَامَ ابْن عُمَرَ يَبْكِي قَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؟ هَذَا يَعْنيِ ابْنَ عَمْرُو زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ كَانَ فِي قَلْبِِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ  مِنْ كِبْر أَكَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ".


وهذا الوعيد لمن كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، فكيف بمن امتلأ قلبه كبرا ؟


قال جل وعلا ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ 204 وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ 205 وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ  206 ) - [البقرة].



فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا  بما علمتنا وزدنا علما.



هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق