الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،
فإن مما أجمع عليه أهل الحق في الإيمان أنه قول و عمل يزيد و ينقص
و لذلك لم يزكوا أنفسهم و لم يعجبوا بأعمالهم،
يعدون أنفسهم مع المفرطين، لا يستكثرون لله الكثير، و لا يرضون له بالقليل، هم حيث ما لقيتهم مشفقون وجلون خائفون.
يقول أبو نعيم في " الحلية 3358 ":
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : ثَنَا عبد
الله بن أبي داود ، قَالَ : ثَنَا محمود بن خالد قَالَ :ثَنَا عُمَرْ بَنْ عَبْدِ الوَاحِد
، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : إِنَّ الْمَلَكَ
لَيَصْعَدُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مُبْتَهِجًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى اجْعَلُوهُ فِي سِجِّينٍ إِنِّي لَمْ أُرَدْ بِهَذَا الْعَمَلِ .
فإذا كان الملك لا يعلم فكيف يأمن المرأ ؟
و قال ابن سعد في " الطبقات 8937 ":
أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ
، أَنَّهُ قَالَ : " مَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِي إِلا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ
يَكُونَ قَدْ دَخَلَهُ مَا أَفْسَدَهُ، لَيْسَ الْحبُّ فِي اللَّهِ " .
و هذا سبب الإستتناء عند السلف، من جهة العمل لا القول.
قال الله ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ
يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
[النحل 32]
فمن جزم أن عمله قد قُبل فليجزم أنه من أهل الجنة.
أما الحب في الله فهو استتناء فيما يبدوا، بل هو من أوثق
الأعمال.
و كان سفيان الثوري يقول:
" لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِي أَرْجُو أَنْ لاَ يَشُوبَهُ شَيْءٌ كَحُبِّي مَجْمَعًا التَّيْمِيّ ". [الزهد لأحمد 2235].
قال الله ( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ
وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ) [النجم 32].
يقول عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد 1400
":
حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة عن خالد أبي يزيد عن معاوية
بن قرة قال: دخلت على مسلم بن يسار وأنا أدفن بعض جسدي - قال معاوية وكان يطيل السجود
أراه قال - فوقع الدم في ثنيّته فسقطتا فدفنتهما قال قلت: ما عندي من كثير عمل إلا
أني أرجو الله عز وجل وأخاف منه. قال: فرفع رأسه إلى كالمذعور فقال لي: كيف قلت؟. قال
قلت: ما عندي من كبير عمل إلا أني أرجو الله عز وجل وأخاف منه. قال فقال: ما شاء الله
ما شاء الله، من خاف من شيء حذر منه، ومن رجا شيئا طلبه. وما أدري ما حسب خوف عبد عرضت
له شهوة فلم يدعها لما يخاف أو ابتلى ببلاء فلم يصير عليه لما يرجو؟
قال معاوية: فإذا أنا قد زكيت نفسي وأنا لا أعلم.
و قال جل في علاه ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) [المؤمنون 60]
و سبحان الله كيف ذكرت هذه الآية في سورة المؤمنون، ثم يأتي
أناس ليس في قلوبهم شيء من هذا الوجل و الخوف، و يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل
!.
يقول أبو بكر الخلال في " السنة 1607 ":
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : ثنا خَالِدُ بْنُ
حَيَّانَ ، قَالَ : ثنا نَصْرُ بْنُ الْمُثَنَّى الأَشْجَعِيُّ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ
مَيْمُونٍ يَوْمًا ، فَمَرَّ بِجُوَيْرِيَةٍ وَهِيَ تَضْرِبُ بِدُفٍّ ، وَتَقُولُ
: " وَهَلْ عَلَى مِنْ قَوْلٍ قُلْتُهُ مِنْ كَبِيرَةٍ ؟ فَقَالَ مَيْمُونٌ :
أَتَرَوْنَ إِيمَانَ هَذِهِ مِثْلَ إِيمَانِ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهَا ؟ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ قَالَ : إِيمَانُهُ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلامُ ".
و صدق و الله، لا يقول هذا إلا خائب
قال ابن أبي شيبة في " مصنفه ":
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ سَمِعْت الْأَعْمَشَ قَالَ
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ : يُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيَا
أَرْبَعَةٌ : جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ ، فَأَمَّا
جَبْرَائِيلُ فَصَاحِبُ الْجُنُودِ وَالرِّيحِ ، وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَصَاحِبُ الْقَطْرِ
وَالنَّبَاتِ ، وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَمُوَكَّلٌ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ ، وَإِمَّا
إسْرَافِيلُ فَهُوَ يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ بِمَا يُؤْمَرُونَ .
و قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْحَكَمَ بْنَ هِشَامٍ الثَّقَفِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ [يعني
الثوري]، قَالَ:
قَالَ اللهُ لِجِبْرِيلَ فِي مَقَامِهِ الَّذِي يَقُومُ بَيْنَ
يَدَيْهِ: «ادْنُ» ، فَدَنَا ثُمَّ انْتَفَضَ ، ثُمَّ قَالَ: «ادْنُ» ، فَدَنَا ثُمَّ
انْتَفَضَ ، ثُمَّ قَالَ: «ادْنُ» ، فَدَنَا ثُمَّ انْتَفَضَ ، ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ:
«مَا لَكَ؟ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمِ ائْتَمِنْكَ؟ أَلَمْ أُرْسِلْكَ؟»: قَالَ: بَلَى
، وَلَكِنْ لَا آمَنُ مَكْرَكَ ".
من هذه منزلته إيمانك كإيمانه ؟ أما تستحيي ؟ و أي غرور
هذا الذي أصابك ؟
فالعجب كل العجب من هؤلاء !!!
قال الله ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ
عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ
لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ
خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) [الأعراف 169]
يقول ابن أبي حاتم في " تفسيره 8492 ":
حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْعَطَّارُ عَمْرُو
بْنُ أَبِي عَرَفَةَ ثنا أَبُو غَسَّانَ ثنا أَسْبَاطُ، عَنْ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ
فِي قَوْلِهِ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ قَالَ: هُمْ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُرْجِئَةُ.
و كان سعيد بن جبير يسميهم " يهود القبلة ".
نسأل الله العافية
هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق