الثلاثاء، 4 يوليو 2017

وَاللهِ لَوْ أَطَعْنَا اللهَ مَا عَصَانَا

الحمد لله رب العالمين



والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد


فإن الناس غاضبون، متسخطون عن الأوضاع، قد خرجوا يطالبون النخبة، مطالب لتحسين القطاعات الحساسة، مطالب لرفع الأجور، صراخ ضد الفساد وغيرها من الأمور التي تجري على الألسن.


ونسوا ما طلب منهم 

قال الله ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ )


فالأمر من فوق، ... الأمر من فوق، 

وقد كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه " الأَمْرُ مِنْ هَا هُنَا " ويشير بأُصبعه إلى السماء

وفي الحديث  أن " مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ "

فمن تعلق بشخص أو بجماعة أو بملك وكله الله إليه
ومن تعلق بالله فقد قال جل في علاه مخبرا عن نفسه (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير)


حتى أن سفيان الثوري كان يقول: " مَا أُحِبُّ أَنَّ حِسَابِي جُعِلَ لِوَالِدَيَّ، رَبِّ خَيْرٌ لِي مِنْ وَالِدَيَّ ".

وهذا من أعظم صور الفرار إلى الله، وقد قال جل و علا ( فَفِرُّوا إِلَى اللهِ )

وفي العادة من خاف من شيء فر منه، إلا الله سبحانه إذا خفته فرَّ إليه وألق نفسك بين يديه

وكان علي رضي الله عنه يقول : " أَحَبُّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ وَهُوَ سَاجِدٌ، رَبِّ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي "


قال الله ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )

وكان يحيى بن أبي كثير يقول: " لَوْلَا أَنَّ السَّاعَةَ مَوْعِدُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَخُسِفَ بِطَائِفَةٍ ، وَطَائِفَةٌ تَنْظُرُ ".


فمن حِلم الله ورحمة أنه يؤاخذ الناس ببعض ما عملوا، لا كُلَّ ما عملوا (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لعلّهم  يتوبون.


وهذا باب غفلنا عنه

تكالبَ الأعداء من الخارج، و الخذلان من الداخل، ولا يزال الناس يتسائلون كيف النجاة ؟


يقول قتادة السدوسي :
" قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا رَبِّ أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الْأَرْضِ فَمَا عَلَامَةُ غَضَبِكَ مِنْ رِضَاكَ ؟ قَالَ : إِذَا اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ خِيَارَكُمْ فَهُوَ عَلَامَةُ رِضَائِي ، وَإِذَا اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ فَهُوَ عَلَامَةُ سَخَطِي ".

وهذه علامة واضحة فلا تغفلها.


وقال سليمان الأعمش: " قَالَ لِي أَبُو وَائِلْ [يعني، شقيق بن سلمة]
يَا سُلَيْمَان، وَاللهِ لَوْ أَطَعْنَا اللهَ مَا عَصَانَا ".

وفي رواية " نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا لَوْ أَطَعْنَاهُ "


وجاء في الحكمة:
" كَمَا تُدِينُ تُدَانُ "


نحن ظالمون مفرطون، 
فلم التسخط و التدمر و البكاء


قال الله  (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: " فَأَمَّا العَذَابُ مِنْ فَوْقِكُمْ، فَأَئِمَّةُ السّوءِ ".


وكان الحسن البصري يقول:
" لَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ابْتُلُوا مِنْ قِبَلِ سُلْطَانِهِمْ بِشَيْءٍ دَعُوا اللَّهَ أَوْشَكَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ فَزِعُوا إِلَى السَّيْفِ فُوُكِلُوا إِلَيْهِ ".


عذاب الله لا يدفع بالقوة والتجمهر
إنما يدفع بالتضرع والتوبة


كل من موقعه، يعلنها لربه نصوحة لا شك فيها


واقرءوا إن شئتم ما حصل لقوم يونس عليه السلام

قال قتادة:
" لَمَّا فَقَدُوا نَبِيَّهمْ وَظَنُّوا أَنَّ العَذَابَ قَدْ دَنَا مِنْهُمْ، قَذَفَ اللهُ فِي قُلُوبِهِم التَّوْبَة، وَلَبِسُوا الْمُسُوحَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا، ثُمَّ عَجُّوا إِلَى اللهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. فَلَمَّا عَرَفَ اللهُ الصِّدْقَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَالتَّوْبَةَ وَالنَّدَامَةَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُمْ، كَشَفَ اللهُ عَنْهُم العَذَابَ بَعْدَ أَنْ تَدَلَّى عَلَيْهِم ".


فاللهم اقذف في قلوبنا التوبة واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين


يقول ابن أبي الدنيا في كتابه " التوبة  ": بسنده عن مالك بن دينار قال:
" قَرَأْتُ فِي الْحِكْمَةِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: " أَنَا اللَّهُ مَالِكُ الْمُلُوكِ، قُلُوبُ الْمُلُوكِ بِيَدِي، فَمَنْ أَطَاعَنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ رَحْمَةً، وَمَنْ عَصَانِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ نِقْمَةً، فَلَا تَشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِسَبِّ الْمُلُوكِ، وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَى أَعْطَفِهِمْ عَلَيْكُمْ ".



هذا وصل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه  وسلم. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق