الحمد لله
و الصلاة و السلام على رسول الله، و بعد
فإن السلف
رحمهم الله، لم يكونوا يفرقون بين النجم و الكوكب، بل كانا عندهم بمعنى.
يقول الله
تبارك و تعالى ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ
16 وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ 17 ) - [الحجر]
قال الطبري
في " تفسيره ":
- حدثني محمد
بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا
ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال:
أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي
السَّمَاءِ بُرُوجًا ) قال: كواكب.
- حدثنا بشر،
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ
بُرُوجًا ) وبروجها: نجومها.
- حدثنا محمد
بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( بُرُوجا ) قال: الكواكب.
" اهـ
فقتادة رحمه
الله سم البروج نجوما، و سماها كواكب !
و في قوله
تعالى ( وَ السَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ ) - [البروج]
" وقال آخرون: عُنِي بذلك: والسماء ذات النجوم، وقالوا: نجومها: بروجها.
حدثني محمد
بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا
ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( ذَاتِ الْبُرُوجِ ) قال: البروج:
النجوم.
فدل على
أن مجاهد أيضا لا يفرق بينهما !
و هذه النجوم ( أو الكواكب):
- منها السيارات التي يقذف بها،
- و منها الثوابث و هي منازل الشمس و القمر.
أما الكواكب السيارات :
يقول جل و علا ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) [الملك]
قال ابن كثير:
" لما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح" وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت، وقوله تعالى "وجعلناها رجوما للشياطين": عاد الضمير في قوله وجعلناها على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها والله أعلم " اهـ
و قال القرطبي:
" وتسمى الكواكب مصابيح لإضاءتها .
(وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) أي جعلنا شهبها ؛ فحذف المضاف . دليله " إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " [ الصافات : 10 ] . وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها .
وقيل : إن الضمير راجع إلى المصابيح على أن الرجم من أنفس الكواكب ، ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته . " اهـ
و أما المنازل:
فيقول رب العزة ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ
لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ
يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) - [يونس]
يقول البغوي في " تفسيره ":
" وقيل: جعل الشمس ذات ضياء، والقمر ذا
نور، "وقدره منازل" أي: قدر له، يعنى هيأ له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها،
ولم يقل: قدرهما. قيل: تقدير المنازل ينصرف إليهما غير أنه اكتفى بذكر أحدهما، كما
قال:"والله ورسوله أحق أن يرضوه" (التوبة 62). وقيل: هو ينصرف إلى القمر
خاصة لأن القمر يعرف به انقضاء الشهور والسنين، لا بالشمس.
ومنازل القمر
ثمانية وعشرون منزلا، وأسماؤها: الشرطين، والبطين، والثرياء، والدبران، والهقعة، والهنعة،
والذراع، والنسر، والطوف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزباني،
والإكليل، والقلب، والشولة، والنعايم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود
وسعد الأخبية، وفرع الدلو المقدم، وفرع الدلو المؤخر، وبطن الحوت.
وهذه المنازل
مقسومة على البروج، وهي اثنا عشر برجا: الحمل والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد،
والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت. ولكل برج منزلان وثلث
منزل، فينزل القمر كل ليلة منزلا منها، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين، وإن كان
تسعا وعشرين فليلة واحدة، فيكون تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر
يوما، فيكون انقضاء السنة مع انقضائها." اهـ
و فيه أن القمر و الشمس ينزلان هذه المنازل دون الأرض، فالقول بأن الأرض ثابثة قوي جدا. و فيه سحق لنظرية كوبرنيكوس الباطلة، التي تقول ( أن الأرض تدخل أبراج الحوت والجدي ...). و تخصيص القمر بالذكر في قوله تعالى "وقدره منازل"، لا ينفي نزول الشمس أيضا هذه المنازل !
قال الطبري :
" والآخر: أن يكون اكتفي بذكر أحدهما عن الآخر، كما قال في موضع آخر: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)[سورة التوبة: 62]. (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ)، يقول جل ثناؤه: لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما إلا بالحق " اهـ
قال قتادة رحمه الله:
"إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَلَقَ هَذِهِ النُّجُوم لِثَلاَثِ خِصَالٍ:
خَلَقَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَي بِهَا فَمْنَ يَتَأَوَّلُ مِنْهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ بِرَأْيِهِ، وَأَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ." اهـ (1)
و قال معمر
بن راشد في جامعه 19805 :
عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال:
" إِنَّ قَوْمًا يَحْسِبُونَ أَبَا جَاد، وَ يَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ، وَ لاَ أَرَى لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلاَقْ ". اهـ
هذا و صل
اللهم على نبينا محمد و على آله وصحبه و سلم.
________
1- قال الطبري في " تفسيره ": حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد،
قال: حدثنا سعيد، عن قتادة {وَلَقَدْ زَيّنا السّماءَ الدّنْيا بِمَصَابِيحَ
وَجَعَلْناها رُجُوما للشّاطِينِ} به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق