الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

عَقِيدَة الإِمَام مَالِك بن أَنَس رَحِمَهُ الله [معدل]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،        



يقول إسحاق بن عيسى: سمعت مالك بن أنس يقول:
" كُلَّمَا جَاءَنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ تَرَكْنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَدَلِهِ !!؟ ".اهـ [الحلية]

و قال ابن قعنب: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ:
" قَالَ رَجُلٌ: مَا كُنْتَ لَاعِبًا فَلَا تَلْعَبَنَّ بِدِينِكَ ".اهـ [الحلية]



و هذا جزء لطيف في ذكر معتقد إمام أهل المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس - رحمه الله - في العلو والنزول والضحك والغضب والكف واليمين والقرآن والنظر إلى الله يوم القيامة والقدر والإيمان والصحابة وولاة الأمر والخوارج وأهل الرأي ودوران السماء والأرض.








عقيدة الإمام مالك بن أنس رحمه الله


[ علو الله على خلقه ]

1 - قال مالك في " الموطأ 1502 ": 
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ لِجِبْرِيلَ قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ.
قَالَ مَالِك: لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ.اهـ
(( فاعجب من قول الجهمية " ليس في السماء شيء ". فما أكفرهم. وفيه أيضا أن الله يحب ويبغض، خلافا لقول الأشاعرة. يقول الذهبي في " العلو 330 ": أخبرنا أبو الفداء بن الفراء ، أنا ابن قدامة ، أنا محمد بن عبد الباقي ، أنا ابن خيرون ، والحسن بن أيوب ، قالا : أنا أبو علي بن شاذان ، أنا ابن زياد القطان ، نا محمد بن إسماعيل الترمذي ، سمعت نعيم بن حماد ، يقول : مَنْ شَبَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ ، وَمَنْ أَنْكَرَ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ ، وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلاَ رَسُولَهُ تَشْبِيهاً .اهـ و هذا نص جليل من إمام في السنة. ))

2 - و قال عبد الله بن أحمد في " السنة 532 ":
حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: " الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَقُولُ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، وَقَالَ مَالِكٌ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ ".اهـ 
(( و فيه أيضا التصريح بأن الله كلم موسى حقيقة، كما في قوله تعالى ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) [الأعراف] )).

3 - و قال مالك في " الموطأ ١٢٦٩ ":
عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي فَجِئْتُهَا وَقَدْ فُقِدَتْ شَاةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا فَقَالَتْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مَنْ أَنَا فَقَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقْهَا.
((عمر بن الحكم خطأ هو معاوية بن الحكم كما عند مسلم في صحيحه ٨٣٦ . يقول عبد الرزاق في مصنفه 4921 : عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَسْتَسْقُونَ، فَرَأَى نَمْلَةً قَائِمَةً رَافِعَةً إِحْدَى قَوَائِمَهَا تَسْتَسْقِي، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ، إِنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ اسْتَسْقَتْ فَاسْتُجِيبَ لَهَا».اهـ و في فعل هذه النملة، الرد على أئمة الجهمية و المعتزلة والأشاعرة والحلولية والإتحادية و غيرهم من أهل البدع. و هؤلاء المجرمون و إن اختلفت عباراتهم إلا أن حقيقة أمرهم أنهم يجحدون أن الله فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه. يقول أبو جعفر محمد بن عثمان العبسي في كتابه " العرش ": " وأجمعَ الخلقُ جميعًا أنَّهم إذا دَعَوْا اللهَ جميعًا، رفعوا أيديهمْ إلى السَّماءِ، فلو كانَ اللهُ عزَّ وجلَّ في الأرضِ السُّفلى، ما كانوا يرفعونَ أيديهمْ إلى السَّماءِ وهو معهم في الأرضِ. ثمَّ تواترتِ الأخبارُ أنَّ الله تعالى خلقَ العرشَ فاسْتَوَى عليهِ بذاتِهِ. فَهُوَ فَوْقَ السَّماواتِ وفَوْقَ العَرْشِ بِذَاتِهِ مُتَخَلِّصًا منْ خلقهِ، بائنًا منهم، علمهُ في خلقهِ، لا يخرجونَ من علمهِ».اهـ))



4 - و قال البخاري في " صحيحه ٦٨٩٩ " :
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي.

[ النزول ]

5 - قال ابن أبي زمنين في " أصول السنة 1/113":
وَأَخْبَرَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عُبَادَةَ [لعل الصواب روح بن عبادة] قَالَ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ اَلْمَشَايِخِ: مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَعِيسَى وَابْنِ اَلْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ كَانُوا يَقُولُونَ: اَلنُّزُولُ حَقٌّ.
(( و هذا صريح في إثبات نزول الله سبحانه وتعالى. يقول مالك في " الموطأ 30 ": عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يَنْزِلُ رَبُّنَا، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ".اهـ ))

[ الضحك ]

6 - قال مالك في " الموطأ ٨٧٢ ":
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فَيُسْتَشْهَدُ.
[ الغضب ]

7 - قال أبو محمد الحسن الخلال في " فضائل سورة الإخلاص 49 ":
حدثنا يوسف بن عمر، ثنا أبو علي محمد بن الحسن ثنا أبو بكر البرديجي، ثنا أبو زرعة، وأبو حاتم قالا: ثنا عيسى بن أبي فاطمة، - رازي ثقة - قال: سمعت مالك بن أنس، يقول : « إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن عز وجل، فتنزل الملائكة فيأخذون بأقطار الأرض فلا يزالون يقرءون قل هو الله أحد حتى يسكن غضبه عز وجل ».
(( وفيه إثبات العلو أيضا ))

[ الكف واليمين ]

8 - قال البخاري في صحيحه ٦٨٦٣ :
حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ.

9 – و قال مالك في " الموطأ ١٥٨١ ":
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ.
(( مرسل، وقد صح عن ابن مسعود قوله ))


[ القرآن كلام الله غير مخلوق ]

10 - قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، ثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ، وَكَلَامُ اللهِ مِنَ اللهِ، وَلَيْسَ مِنَ اللهِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ.

11 - وقال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا الْحُسَينُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفِ بْنِ الرَّبِيعِ الطَّرَسُوسِيُّ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُبَّادِهِمْ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: زِنْدِيقٌ اقْتُلُوهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنَّمَا أَحْكِي كَلَامًا سَمِعْتُهُ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَحَدٍ إِنَّمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ وَعَظَّمَ هَذَا الْقَوْلَ.
(( مالك هنا يفتي بقتل من يقول القرآن مخلوق دون استثابة. والظاهر أنه وجه الكلام للسائل نفسه لا للمسؤول عنه. ))

[ الرؤية والنظر إلى الله يوم القيامة ]

12 - قال الدراج في حديثه 7 :
حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بن سُلَيْمَان الأَشْعَث حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حدثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: النَّاسُ يَنْظُرُونَ إلى اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْينُهِمْ.
قَالَ أَبُو بَكر بن أَبِي دَاوُد : مَنْ لَم يُؤْمِن بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ.

13 - و قال ابن عبد البر في " الإنتقاء ":
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ : نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، قَالَ : نا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ ، قَالَ : نا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ ، قَالَ : نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ ، عَنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الرُّؤْيَةِ ، فَقَالُوا : أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ، بِلا كَيْفَ. وَكَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ : وَخَيْرُ أُمُورِ الدِّينِ مَا كَانَ سُنَّةً وَشَرُّ الأُمُورِ الْمُحْدَثَاتُ الْبَدَائِعُ.
(( ابن أبي خيثمة هو أحمد بن زهير. و قول الأئمة " أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ، بِلا كَيْفَ "، نهي عن الكيفية لا عن المعاني. ))

 [ القدر والقدرية ]

14 - قال أبو نعيم في " الحلية " :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثَنَا يُونُسُ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَقُولُ لِرَجُلٍ: سَأَلْتَنِي أَمْسِ عَنِ الْقَدَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] فَلَابُدُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى.

15 - وقال ابن منده في الرد على الجهمية 1/25 :
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيُّ، بِمَكَّةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الطَّبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ الرَّازِيُّ، ثنا ابْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَنْ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَدَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ آدَمَ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ثُمَّ أَجْلَسَهُ فَمَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ الْيَمِينِ فَأَخْرَجَ ذَرًّا، فَقَالَ: ذَرٌّ وَذَرَّاتُهُمْ لِلْجَنَّةِ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ فَقَالَ: ذَرٌّ وَذَرَّاتُهُمْ لِلنَّارِ يَعْمَلُونَ فِيمَ شِئْتُ مِنْ عَمَلٍ وَأَخْتِمُ لَهُمْ بِأَسْوَءِ أعْمَالِهِمْ فَأُدْخِلُهُمُ النَّارَ ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُمَرَ يُقَالَ: إِنَّهُ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، وَقِيلَ نُعَيْمُ بْنُ رَبِيعَةَ، رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْضَ الْحَدِيثِ. وَرَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ الرَّقِّيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.

16 - و قال مالك في " الموطأ ١٣٩٤ ":
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ.

17 - و قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: رَأَيِي فِيهِمْ أَنْ يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا يَعْنِي الْقَدَرِيَّةَ.
(( أبو بكر هو أحمد بن عمرو الشيباني ))

18 - و قال أيضا في " الموطأ 1398 ": 
عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: رَأْيِي أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَذَلِكَ رَأْيِي. 
قَالَ مَالِك: وَذَلِكَ رَأْيِي.
19 - و قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ تَزْوِيجِ الْقَدَرِيِّ، فَقَرَأَ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعَجْبَكُمْ} [البقرة: 221].
(( ذلك أنهم جعلوا مع الله خالقا يخلق الشر بزعمهم. و سئل مالك عن القدرية من هم؟ فقال: من قال " ما خلق المعاصي ". [ترتيب المدارك 2/48] ))

[ الإيمان والمرجئة ]

20 - قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ الصَّائِغُ، ثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
(( عبد الله هو أبو محمد الصائغ. وهذا قول الأئمة قديما و حديثا فلا يخالفهم إلا هالك ))

21 - و قال أبو أحمد الحاكم في " شعار أصحاب الحديث 12 ":
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، وَالْأَوْزَاعِيَّ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيَّ، وَمَعْمَرًا يَقُولُونَ: «الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ».

22 - و قال ابن عبد البر في " الإنتقاء ":
قَالَ [أي الدولابي] : وَسَمِعْتُ مُؤَمَّلَ بْنَ إِهَابٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بْنَ هَمَّامٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ وَسُفْيَان بْنَ عُيَيْنَةَ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُونَ : الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

23 - وقال ابن وهب في " تفسيره 258 ":
حدثني مالك في قول الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}، قال: هي صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس من قبل أن تصرف القبلة إلى الكعبة؛ فلما صرف الله القبلة أنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} للصلاة، التي كانوا يصلونها تلقاء بيت المقدس.
(( وهي حجة مالك في الرد على المرجئة، فإن الله سمى الصلاة إيمان، وهم لا يقولون بهذا ))

24 - و قال ابن عبد البر في " الإنتقاء ":
قَالَ [أي الدولابي] : وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفِرْيَابِيُّ ، قَالَ : نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، قَالَ : نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ : انْصَرَفَ مَالِكٌ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِي. قَالَ : فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ ، كَانَ يُتَّهَمُ بِالإِرْجَاءِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، اسْمَعْ مِنِّي شَيْئًا أُكَلِّمُكَ بِهِ ، وَأُحَاجُّكَ ، وَأُخْبِرُكَ بِرَأْيِي ، قَالَ : فَإِنْ غَلَبْتَنِي قَالَ : اتَّبَعْتَنِي ، قَالَ : فَإِنْ غَلَبْتُكَ قَالَ : اتَّبَعْتُكَ ، قَالَ : فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَكَلَّمْنَاهُ فَغَلَبَنَا ، قَالَ : تَبِعْنَاهُ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِدِينٍ وَاحِدٍ ، وَأَرَاكَ تَتَنَقَّلُ ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ.

[ الصحابة رضي الله عنهم ]

25 - قال ابن عبد البر في " الإنتقاء ":
قَالَ [أي الدولابي]: وَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، قَالَ : أنا أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : لا يَنْبَغِي الإِقَامَةُ بِأَرْضٍ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَالسَّبُ لِلسَّلَفِ.
(( و الصحابة رأس السلف بعد النبي صلى الله عليه وسلم. ))

26 - و قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا أَبُو ثَوْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا جَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَالَ: أَمَا إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَدِينِي، وَأَمَّا أَنْتَ فَشَاكٍ إِلَى شَاكٍ مِثْلِكَ فَخَاصَمَهُ. وَكَانَ يَقُولُ: لَسْتُ أَرَى لِأَحَدٍ يَسُبُّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم فِي الْفَيْءِ سَهْمًا.

27 - و قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَنْبَرِيُّ، ثَنَا أَبِي قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: مَنْ تَنَقَّصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَانَ فِي قَلْبِهِ عَلَيْهِمْ غِلٌّ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] حَتَّى أَتَى قَوْلَهُ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا} الْآيَةَ، فَمَنْ تَنَقَّصَهُمْ أَوْ كَانَ فِي قَلْبِهِ عَلَيْهِمْ غِلٌّ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ حَقٌّ.
(( و هذا استنباط دقيق من الآية ))

28 - و قال  ابن عبد البر في " الإنتقاء ":
قَالَ [أي الدولابي] : وَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ ، قَالَ : نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، قَالَ : نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ : لَيْسَ لِمَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَيْءِ حَقٌّ ، قَدْ قَسَمَ اللَّهُ الْفَيْءَ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ ، فَقَالَ : (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) سورة الحشر آية 8 الآيَةَ ، وَقَالَ : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) سورة الحشر آية 9 الآيَةَ ، وَقَالَ : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) سورة الحشر آية 10 ، وَإِنَّمَا الْفَيْءُ لِهَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ الأَصْنَافِ.

29 - و قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: إِنَّ رَاهِبًا كَانَ بِالشَّامِ، فَلَمَّا رَأَى أَوَائِلَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ قَدِمُوا الشَّامَ وَنُظَرَاؤُهُ، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَلَغَ حَوَارِيُّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الَّذِينَ صُلِبُوا عَلَى الْخُشُبِ وَنُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ مِنَ الِاجْتِهَادِ مَا بَلَغَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ: قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: تُسَمِّيهِمْ، فَسَمَّى أَبَا عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذًا، وَبِلَالًا، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ.

[ ولاة الأمر ]

*كراهيته للدخول عليهم إلا أن يبعثوا إليه

30 - قال القاضي في ترتيب المدارك :
-
سئل عيسى بن عمر المدني، أكان مالك يغشى الأمراء؟ قال لا. إلا أن يبعثوا إليه فيأتيهم.

- قال خلف بن عمر : قلت لمالك الناس يكثرون أنك تأتي الأمراء. فقال إن ذلك الحمل من نفسي وذلك أنه ربما استشير من لا ينبغي. قال لي: لولا أني رأيتهم ما رأيت للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة سنة معمولاً بها.
- وسأله غير واحد عن جائزة السلطان فقال لا تأخذها فقال أنت تقبلها فقال أتريد أن تبوء بإثمي وإثمك. وقال لآخر: أجئت تبكتني بذنوبي.

*أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر عندهم
31 - قال ابن أبي حاتم في التقدمة 1/29:
نا أبي حدثني عبد المتعال بن صالح من أصحاب مالك قال : قيل لمالك بن أنس : إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون، قال: يرحمك الله فأين التكلم بالحق؟
32 – وقال القاضي في ترتيب المدارك :
- وقال مالك: حق على كل مسلم أو رجل فعل الله في صدره شيئاً من العلم والفقه أن يدخل إلى ذي سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر ويعظه حتى يتبين دخول العالم على غيره، لأن العالم إنما يدخل يأمره بالخير وينهاه عن الشر فإذا كان فهو الفضل الذي لا بعده فضل.

- قال عتيق بن يعقوب: كان مالك إذا دخل على الوالي وعظه وحثه على مصالح المسلمين، ولقد دخل يوماً على هارون الرشيد فحثه على مصالح المسلمين قال له لقد بلغني أن عمر بن الخطاب كان في فضله وقدمه ينفخ لهم عام الرمادة النار تحت القدور يخرج الدخان من لحيته وقد رضي الناس منكم بدون هذا.
- ودخل عليه مرة وبين (يديه) شطرنج منصوب وهو ينظر فيه فوقف مالك ولم يجلس وقال أحق هذا يا أمير المؤمنين؟ قال لا. قال: فما بعد الحق إلا الضلال. فرفع هارون رجله وقال لا ينصب بين يدي بعد.
- وقال لبعض الولاة يوماً : تفقد أمور الرعية فإنك مسؤول عنهم فإن عمر بن الخطاب قال والذي نفسي بيده لو هلك حمل بشاطىء الفرات ضياعاً لظننت أن الله يسألني عنه يوم القيامة.
- وقال الحنيني : سمعت مالكاً يحلف بالله ما دخلت على أحد منهم يعني السلاطين إلا أذهب الله هيبته من قلبي، حتى أقول له الحق.
- ولما قدم المهدي إلى المدينة جاءه الناس مسلمين عليه فلما أخذوا مجالسهم استأذن مالك فقال الناس اليوم يجلس مالك آخر الناس فلما دنى ونظر إلى ازدحام الناس، قال يا أمير المؤمنين أين يجلس شيخك مالك؟ فناداه عندي يا أبا عبد الله. فتخطى الناس حتى وصل إليه، فرفع المهدي ركبته اليمنى وأجلسه حتى أتى المهدي بالطست والإبريق فغسل يده ثم قال للغلام قدمه إلى أبي عبد الله فقال له مالك: يا أمير المؤمنين ليس من الأمر المعمول به ارفع يا غلام فأكل معه غير متوضئ فذكر قصته معه في الموطأ .
- وروي أن مالكاً دخل على عبد الملك بن صالح أمير المدينة فجلس ساعة ثم دعا بالطعام والوضوء فقال ابتدئ أولاً بأبي عبد الله. فقال له مالك إن أبا عبد الله يعني نفسه لا يغسل يده. فقال لم؟ قال ليس هذا هو الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا إنما هو من زي الأعاجم وقد نهى عمر عن أمر الأعاجم وكان عمر إذا أكل مسح يده بباطن قدمه. فقال له عبد الملك أأترك يا أبا عبد الله؟ فقال أي والله. فما عاد إلى ذلك عبد الملك بن صالح.
قال مالك: ولا آمر الرجل أن لا يغسل يده ولكنه إذا جعل ذلك كأنه واجب عليه فلا. أميتوا سنة الأعاجم وأحيوا سنن العرب. أما سمعت قول عمر تمعددوا واخشوشنوا وامشوا حفاة وإياكم وزي العجم.
- وناظر أبو جعفر المنصور مالكاً في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فرفع أبو جعفر صوته، فقال له مالك يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد إن الله تعالى أدب قوما فقال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.... الآية ومدح قوماً فقال إن الذين يغضون أصواتهم.... الآية. وذم قوماً فقال: إن الذين يناودنك.... الآية وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً.
- قال معن: دخل إبراهيم بن يحيى العباسي أمير المدينة يوماً على مالك ومالك حديث عهد بعلة فثبت مالك في مجلسه لم يقم له ولم يوسع، فجلس إبراهيم على أقل فراش مالك، ومالك لا يتزحزح فحادثه ساعة ثم قال له: ما تقول يا أبا عبد الله في محرم قتل قملة؟ قال لا يقتلها. قال فإنه قتلها فما فديتها؟ قال مالك لا يفعل. قال فعل. قال لا يفعل. قال أقول لك قد فعل فتقول لي لا يفعل. قال نعم. فقام إبراهيم مغضباً وسكت مالك ساعة ثم قال: إما يريدون أن يعبثوا بالدين، إنما الفدية على من قتلها غير عامد لقتلها. وهذا يريد أن لا يبقى في عسكره قملة على أحد من حشمه.
- قال عتيق بن يعقوب: خرجنا مع مالك إلى المصلى يوم عيد ومالك يمشي، وخرج عبد الملك بن صالح أمير المدينة في سلاح وتعبيه ورايات وأعلام فنظر إليهم مالك فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ما هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون. فبلغ ذلك عبد الملك فأتاه في المصلى. فقال يا أبا عبد الله ما الذي أنكرت؟ قال ما رأيت معك. إنما أتى الناس الصلاة خاشعين يرجون المغفرة ولقد أخبرني يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح مكة في عشرة آلاف أو اثني عشر الآفاً وكان راكباً وحط راحلته وتحته قطيفة قيمتها أربعة دراهم منكس الرأس وهو يقول الملك لله الواحد القهار. وكان يأتي المصلى للعيدين والاستسقاء متوكئاً على عصا أو قوس منكساً رأسه خاشعاً.
- قال عتيق بن يعقوب: دخل مالك يوماً على عبد الملك بن صالح وقد غضب على بعض أهل المدينة حتى بلغ ذلك منه. فقال له مالك قال كعب لعمر في التوارة مكتوب: ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء. فقال عمر: إلا من حاسب نفسه. فقال كعب ما بينهما حرف إلا من حاسب نفسه.
(( قال البيهقي في شعب الإيمان ٧٠٠٨ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ، نا حَرْمَلَةُ، نا ابْنُ وَهْبٍ، نا مَالِكٌ، أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ كَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: وَيْلٌ لِسُلْطَانِ الْأَرْضِ مِنْ سُلْطَانِ السَّمَاءِ فَقَالَ عُمَرُ: " إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ " فَقَالَ: مَا بَيْنَهُمَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.اهـ ورواه ابن أبي الدنيا في الشكر لله من طريق الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله. ))
- قال مصعب وابن زنبر استفتى والي المدينة مالكاً في مسألة فأبى أن يجيبه وقال كيف أجيبك وقد وليت على المسلمين خيثم بن عراك؟ فعزله وأفتاه.
- وقال عبد الرزاق: دخل مالك على لأبي جعفر، فقال من بالباب من أصحاب نافع؟ فقال مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب. قال: أو ليس يزن بذلك الرأي؟ يعني القدر. قال: يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي أسمعناها منك إن كنا لنزنك بها.

33 - وقال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ء إِمْلَاءً، ثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: شَاوَرَنِي هَارُونُ الرَّشِيدُ فِي ثَلَاثٍ فِي أَنْ يُعَلِّقَ الْمُوَطَّأَ فِي الْكَعْبَةِ وَيَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَا فِيهِ، وَفَى أَنْ يَنْقُضَ مِنْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجْعَلَهُ مِنْ جَوْهَرٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَفَى أَنْ يُقَدِّمَ نَافِعَ بْنَ أَبِي نُعَيْمٍ إِمَامًا يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا تَعْلِيقُ الْمُوَطَّأِ فِي الْكَعْبَةِ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي الْفُرُوعِ وَتَفَرَّقُوا فِي الْآفَاقِ وَكُلٌّ عِنْدَ نَفْسِهِ مُصِيبٌ، وَأَمَّا نَقْضُ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّخَاذُكَ إِيَّاهُ مِنْ جَوْهَرٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَلَا أَرَى أَنْ تَحْرِمَ النَّاسَ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا تَقْدِمَتُكَ نَافِعًا إِمَامًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ نَافِعًا إِمَامٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَنْدُرَ مِنْهُ نَادِرَةٌ فِي الْمِحْرَابِ فَتُحْفَظَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.

*زهده فيما عندهم
34 - قال ابن عبد البر في " الإنتقاء ":
وَذَكَرَ الدُّولابِيُّ ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، قَالَ : نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : أني حَسَنٌ ، كَذَا وَقَعَ ، وَصَوَابُهُ : حُسَيْنٌ ، وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عُرْوَةَ ، قَالَ : قَدِمَ الْمَهْدِيُّ الْمَدِينَةَ ، فَبَعَث إِلَى مَالِكٍ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ أَوْ بِثَلاثَةِ آلافِ دِينَارٍ ، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّبِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ أَنْ تُعَادِلَهُ إِلَى مَدِينَةِ السَّلامِ ، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَالْمَالُ عِنْدِي عَلَى حَالِهِ.

35 - وقال القاضي في ترتيب المدارك :
قال الزبيري عن مالك: لما دخلت على أبي جعفر وذكر قصته معه في حمل الناس على كتبه نحو القصة التي قدمها. قال كلمته في الناس وحضضته عليهم، وجعل يسألني عن بني وعن ابني وعن أهلي فأخبره، فقال لي أترى أني أعرف منزلك ولا أعرف أمر الناس؟ ثم قال لي إن رابك ريب في عامل المدينة أو سوء سيرة في الرعية فاكتب إلي بذلك أنزل بهم ما يستحقون، وقد كتبت إلى عمالي بهذا أن يسمعوا منك ويطيعوا في كل ما تعهد إليهم فانههم عن المنكر وأمرهم بالمعروف تؤجر على ذلك وأنت حقيق أن تطاع ويسمع منك ثم خرجت فتبعتني صلة ذكر أنها كانت خمسة آلاف وكسوة حسنة ولابنه محمد ألف. قال فلما لحقه الخصي جعلها على منكبه وكذلك كانوا يفعلون يخرج بها على الناس فانحنى مالك عنها كراهية لذلك، فناداه أبو جعفر بلغها إلى رجل أبي عبد الله.

*كتب مالك إلى الخلفاء
36 - قال القاضي في ترتيب المدارك:
- قال سعيد بن أبي زنبر: كتب مالك رحمه الله إلى بعض الخلفاء كتاباً يعظه فيه: أما بعد فإني كتبت إليك كتاباً لم آل فيه رشداً ولم أدخر فيه نصحاً. تحميد الله وأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتدبر ذلك بعقلك ورد فيه بصرك وأوعه سمعك واعقله بعقلك واحضره فهمك ولا تغيبن عنه ذهنك، فإن فيه الفضل في الدنيا وحسن ثواب الله تعالى في الآخرة. ذكر نفسك غمرات الموت وما هو نازل بك منه وما أنت موقوف عليه بعد الموت من العرض على الله تعالى ثم الحساب ثم الخلود بعد الحساب إما إلى الجنة وإما إلى النار وأعد له ما تسهل به عليك أهوال تلك المشاهد وكربها، فإنك لو رأيت أهل سخط الله وما صاروا إليه من أنواع العذاب وشدة نقمة الله وسمعت زفيرهم في النار وتنهيقهم مع كلوح وجوههم وطول غمتهم وتقلبهم في إدراكها على وجوههم لا يسمعون ولا يبصرون يدعون بالثبور وأعظم من ذلك حسرة إعراض الله تعالى بوجهه وانقطاع رجائهم من روحه وإجابته إياهم بعد طول الغم أن اخسئوا فيها ولا تكلموني لم يتعاظمك شيء من الدنيا أردت به النجاة من ذلك ولا آمنك من هوله ولو قدمت في طلب النجاة جميع ما لأهل الدنيا كان ذلك صغيراً، ولو رأيت أهل طاعة الله وما صاروا إليه من كرامة الله ومنزلتهم مع قربهم من الله تعالى ونضرة وجوههم ونور ألوانهم وسرورهم بالنظر إليه والمكانة منه، والجاه عنده مع قربه منهم لتقلل في عينك عظيم ما طلبت به الدنيا فاحذر على نفسك حذراً غير تقرير وبادر إلى نفسك قبل أن تسبق إليها وما تخاف الحسرة فيه عند نزول الموت وخاصم نفسك لله تعالى على مهل وأنت تقدر بإذن الله تعالى على جر المنفعة، وصرف الحجة عنها قبل أن يوليك الله حسابها ثم لا تقدر على صرف المكروه عنها ولا جر المنفعة إليها. اجعل لله من نفسك نصيبها بالليل والنهار، إن عمرك ينقص مع ساعات الليل. وأنت قائم على الأرض وهو يساربك، فكلما مضت ساعة من أجلك، والحفظة لا يغفلون عن الدق والجل من عملك حتى تملأ صحيفتك التي كتب الله عليك فعليك بخلاص نفسك إن كنت لها محباً، فاحذر وما قد حذرك الله منه تعالى فإنه يقول: ويحذركم الله نفسه، ولا تحقر الذنب الصغير مع ما علمت من قول الله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره. وقال: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. وحافظ على فرائض الله واجتنب سخط الله واحذر دعوة المظلوم واتق يوماً ترجع فيه إلى الله والسلام.

- وقال ابن نافع الصائغ : كتب مالك إلى بعض الخلفاء كتاباً فيه: اعلم أن الله تعالى قد خصك من موعظتي إياك بما نصحتك به قديماً وأتيت لك فيه ما أرجو أن يكون الله تعالى جعله لك سعادة وأمراً جعل به سبيلك إلى الجنة فلتكن رحمنا الله وإياك فيما كتبت إليك مع القيام بأمر الله وما استدعاك الله في رعيته فإنك المسؤول عنهم صغيرهم وكبيرهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وروي في بعض الحديث أنه يؤتى بالوالي ويده مغلولة إلى عنقه فلا يفك عنه إلا العدل، وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول والله إن هلكت سخلة بشط الفرات ضياعاً لكنت أرى الله تعالى سائلاً عنها عمر. وحج عشرة سنين وبلغني أنه كان ما ينفق في حجة إلا اثني عشر ديناراً. وكان ينزل في ظل الشجرة ويحمل على عنقه الدرة ويدور في الأسواق يسأل عن أحوال من حضره وغاب عنه. وبلغني أنه وقت أصيب حضر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليه، فقال المغرور من غررتموه، لو أن ما على وجه الأرض ذهبا لا افتديت به من أهوال المطلع. فعمر رحمه الله تعالى كان مسدداً موفقاً مع ما قد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ثم مع هذا خائف لما تقلد من أمور المسلمين فكيف من قد علمت. فعليك بما يقربك إلى الله وينجيك منه غداً، واحذر يوماً لا ينجيك فيه إلا عملك. ويكون لك أسوة بما قد مضى من سلفك وعليك بتقوى الله فقدمه حيث هممت وتطلع فيما كتبت به إليك في أوقاتك كلها وخذ بنفسك فتعاهدها والأخذ به والتأديب عليه وأسأل الله تعالى التوفيق والرشاد إن شاء الله تعالى.


*تقبيل الأيدي
37 - قال ابن عبد البر في " الإنتقاء ":
وَذَكَرَ الدُّولابِيُّ قَالَ : نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، قَالَ : أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَعْنِي مَالِكًا ، دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ، فَرَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُقَبِّلُ يَدَهُ الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلاثَ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ الْعَافِيَةَ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَمْ أُقَبِّلْ لَهُ يَدًا.

38 - وقال القاضي في ترتيب المدارك :
- قال المفضل بن محمد بن حرب: دخل مالك والقاضي ابن عمران في أشراف المدينة على المنصور فكان كل من أراد الانصراف ألقى أبو جعفر كمه فقبله فقال بعضهم لأقتدين اليوم بهذا الشيخ يعني مالكاً فإن قبل الكم قبلت وإن لم يفعل لم أفعل. فقام مالك وانصرف ولم يقبل، وأردت ذلك فلم تقلني ركبتاي حتى قبلت.
                     

* جهاد الكفار معهم
39 - جاء في " المدونة 1/498 ":
[قال سحنون:] قَالَ [ابن القاسم]: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُجَاهَدَ الرُّومُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ جِهَادَ الرُّومِ مَعَ هَؤُلَاءِ، حَتَّى لَمَّا كَانَ زَمَنُ مَرْعَشٍ وَصَنَعَتْ الرُّومُ مَا صَنَعَتْ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِجِهَادِهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَدْرَكْته وَهُوَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِجِهَادِهِمْ مَعَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، قُلْت لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَى الْجُيُوشِ وَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ، فَقَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَيَقُولُ لَوْ تُرِكَ هَذَا أَيْ لَكَانَ ضِرَارًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَيَذْكُرُ مَرْعَشًا وَمَا فَعَلَ بِهِمْ وَجَرَاءَةَ الرُّومِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ مِثْلَ هَذَا لَكَانَ ضِرَارًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
(( مرعش تقع جنوب تركيا حاليا،  " مدينة في الثغور بين الشام وبلاد الروم " [معجم البلدان 5/107]. و قول مالك رحمه الله " مع هؤلاء الولاة " يريد و إن كانوا ظالمين لأنه سيأتي نهيه عن القتال مع الولي الغير العادل إذا خرج عليه الخوارج ما لم يسفكوا الدم الحرام. ))

* فِي نُدْبَةِ الْإِمَامِ إلَى الْقِتَالِ بِجُعْلٍ 
40 - جاء في " المدونة 1/518 ":
قُلْتُ [أي سحنون]: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ يُقَاتِلُ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ يَقْتُلُ مِنْ الْعَدُوِّ رَجُلًا وَجَاءَ بِرَأْسِهِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، أَوْ بَعَثَ سَرِيَّةً فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَقَالَ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَلَكُمْ نِصْفُهُ؟
قَالَ [أي ابن القاسم]: سَمِعْتُ مَالِكًا يَكْرَهُ هَذَا كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَيَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ قَاتِلُوا وَلَكُمْ كَذَا وَكَذَا، وَيَقُولُ: أَكْرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ لَهُ جُعْلٌ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً أَنْ يَسْفِكَ دَمَ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَقَالَ مَالِكٌ: مَا نَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا بَرَدَ الْقِتَالُ، فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا تَقُومُ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» وَفِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ "، فَكَيْفَ يُقَالُ بِخِلَافِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَنَّ؟ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ وَلَا عَمِلَ بِهِ بَعْدَ حُنَيْنٍ، وَلَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ ذَلِكَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فِيمَا بَعْدَ حُنَيْنٍ، كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا ثَابِتًا قَائِمًا لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ قَوْلٌ، ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ الْجُيُوشَ، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَيْضًا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ.

قُلْتُ [أي سحنون]: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُسَارَى فِي بِلَادِ الشِّرْكِ أَوْ تُجَّارًا اسْتَعَانَ بِهِمْ صَاحِبُ تِلْكَ الْبِلَادِ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نَاوَءُوهُ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، أَتَرَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ أَمْ لَا؟
قَالَ [أي ابن القاسم]: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْأُسَارَى يَكُونُونَ فِي بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَيَسْتَعِينُ بِهِمْ الْمَلِكُ عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ عَدُوَّهُ وَيُجَاءُ بِهِمْ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يُقَاتِلُوا عَلَى هَذَا وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ النَّاسُ لِيُدْخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الشِّرْكِ، فَأَمَّا أَنْ يُقَاتِلُوا الْكُفَّارَ لِيُدْخِلُوهُمْ مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْكُفْرِ وَيَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْفِكَ دَمَهُ عَلَى هَذَا.
(( هذا كلام جليل كله، وقوله " وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ النَّاسُ لِيُدْخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الشِّرْكِ "، نهي عن القتال من أجل الدنيا، و هو مناسب للباب فإن الإمام إذا ندب الناس للقتال بجعل أصبح همهم الجعل لا أن يكون الدين كله لله. قال قتادة: " قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ يَكُونَ شِرْكٌ، "وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ"، حَتَّى يُقَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله"، عَلَيْهَا قَاتَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَيْهَا دَعَا ". [تفسير الطبري 16078]  ))

[ الخوارج ]

41 - جاء في " المدونة 1/529 ":
" قُلْتُ [أي سحنون]: أَرَأَيْتَ قَتْلَ الْخَوَارِجِ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِمْ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْإِبَاضِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ كُلِّهِمْ: أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْحَرُورِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ: إنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إذَا لَمْ يَتُوبُوا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا. وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُمْ إنْ خَرَجُوا عَلَى إمَامٍ عَدْلٍ يُرِيدُونَ قِتَالَهُ وَيَدْعُونَ إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ دُعُوا إلَى الْجَمَاعَةِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا ".
(( نص الإمام مالك هنا على الإمام العادل، و مفهومه أن الإمام إذا كان جائرا يُعْتَزَلُ. قال ابن حجر في شرح البخاري (ص 315) :" وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بني نضر عن عليّ وذكر الخوارج فقال : إن خالفوا إماما عدلا فقاتلوهم ، وإن خالفوا إماما جائرا فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالا ".اهـ أما إذا سفكوا الدماء المحرمة و قطعوا سبل الناس و أخافوا الأمن فيقاتلون قولا واحدا. يقول عبد الرزاق في " مصنفه 18577 ": عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ ، قَالَ: «لَمْ يَسْتَحِلَّ عَلِيٌّ قِتَالَ الْحَرُورِيَّةِ حَتَّى قَتَلُوا ابْنَ خَبَّابٍ».اهـ و قال " 18573 ": عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ : " مَا يَحِلُّ لِي مِنْ قِتَالِ الْحَرُورِيَّةِ ؟ ، قَالَ : إِذَا قَطَعُوا السَّبِيلَ ، وَأَخَافُوا الأَمْنَ ". و قال "18579": عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ - أَحْسَبُهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ - قَالَ: أَتَيْنَا الْحَرُورِيَّةَ زَمَانَ كَذَا وَكَذَا ، لَا يَسْأَلُونَا عَنْ شَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ مَنْ لَقُوا ، فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «مَا عَلِمْتُ أَحَدًا كَانَ يَتَحَرَّجُ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ تَأَثُّمًا ، وَلَا مِنْ قَتْلِ مَنْ أَرَادَ مَالَكَ إِلَّا السُّلْطَانَ ، فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ لَحَقًّا». و قال "18576": عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ: خَرَجَ خَارِجِيٌ بِالسَّيْفِ بِخُرَاسَانَ فَأُخِذَ فَكُتِبَ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ فِيهِ: «إِنْ كَانَ جَرَحَ أَحَدًا ، فَاجْرَحُوهُ ، وَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا ، فَاقْتُلُوهُ ، وَإِلَّا فَاسْتَوْدِعُوهُ السِّجْنَ ، وَاجْعَلُوا أَهْلَهُ قَرِيبًا مِنْهُ، حَتَّى يَتُوبَ مِنْ رَأْيِ السُّوءِ».اهـ ))

42 - وجاء في المدونة " 1/530 ":
قُلْتُ [أي ابن القاسم]: أَرَأَيْتَ الْخَوَارِجَ إذَا خَرَجُوا فَأَصَابُوا الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ ثُمَّ تَابُوا وَرَجَعُوا؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: الدِّمَاءُ مَوْضُوعَةٌ عَنْهُمْ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَإِنْ وَجَدُوا شَيْئًا عِنْدَهُمْ بِعَيْنِهِ أَخَذُوهُ، وَإِلَّا لَمْ يُتْبَعُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ لَهُمْ الْأَمْوَالُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَهْلَكُوهَا عَلَى التَّأْوِيلِ وَهُوَ الَّذِي سَمِعْت.
قُلْتُ: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمُحَارِبِينَ وَالْخَوَارِجِ فِي الدِّمَاءِ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْخَوَارِجَ خَرَجُوا عَلَى التَّأْوِيلِ، وَالْمُحَارِبِينَ خَرَجُوا فِسْقًا وَخُلُوعًا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَإِنَّمَا وَضَعَ اللَّهُ عَنْ الْمُحَارِبِينَ إذَا تَابُوا حَدَّ الْحِرَابَةِ حَقَّ الْإِمَامِ، وَإِنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْهُمْ حُقُوقُ النَّاسِ وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ قَاتَلُوا عَلَى دِينٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ صَوَابٌ.

43 - و جاء في المدونة أيضا " 1/530 ":
قُلْتُ [أي سحنون]: أَرَأَيْتَ قَتْلَى الْخَوَارِجِ أَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ أَمْ لَا؟
قَالَ [أي ابن القاسم]: قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْقَدَرِيَّةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ: لَا يُصَلَّى عَلَى مَوْتَاهُمْ وَلَا تُشْهَدُ جَنَائِزُهُمْ وَلَا تُعَادُ مَرَضَاهُمْ، فَإِذَا قُتِلُوا فَأَحْرَى أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: ذَكَرْت الْخَوَارِجَ وَاجْتِهَادَهُمْ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَيْسُوا بِأَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ثُمَّ هُمْ يَضِلُّونَ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ: أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ خَرَجَتْ فَنَازَعُوا عَلِيًّا وَفَارَقُوهُ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشِّرْكِ. اهـ
(( أهل البدع وإن اختلفوا فإنهم اجتمعوا في السيف على هذه الأمة. يقول الفريابي في " القدر 327": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ ، قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الأَهْوَاءِ أَهْلُ الضَّلالَةِ ، وَلا أَرَى مَصِيرَهُمْ إِلا إِلَى النَّارِ فَجَرِّبْهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَنْتَحِلُ قَوْلا أَوْ قَالَ : رَأْيًا فَيَتَنَاهَى بِهِ الأَمْرُ دُونَ السَّيْفِ ، وَإِنَّ النِّفَاقَ كَانَ ضَرُوبًا " قَالَ : وَتَلا وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ سورة التوبة آية 75 ، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ سورة التوبة آية 61 ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ سورة التوبة آية 58 قَالَ : " وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ وَاجْتَمَعُوا فِي الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ وَإِلَى هَؤُلاءِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ وَاجْتَمَعُوا فِي السَّيْفِ " . اهـ ))

[ أهل الرأي ]

44 - قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ صَالِحٍ، وَأَحْمَدَ بْنَ سَعِيدٍ الدَّارِمِيَّ، قَالَا: ثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ؟ قَالَ مَالِكٌ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

45 - و قال أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، بِطَرَسُوسَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ : سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ ، إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالزَّائِغُونَ فِي الدِّينِ ، يَقُولُ : قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : " سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَولاةُ الأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا الأَخْذُ بِهَا اتِّبَاعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ ، وَاسْتِكْمَالُ الطَّاعَةِ لِلَّهِ ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ ، لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ تَغْيِيرُهَا وَلا تَبْدِيلُهَا ، وَلا النَّظَرُ فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا ، مَنِ اهْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ وَمَنِ اسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُورٌ ، وَمَنْ تَرَكَهَا اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَولاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " .

46 - و قال عبد الله بن أحمد في " السنة 292 ":
حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، ذَكَرَ أَبَا حَنِيفَةَ فَذَكَرَهُ بِكَلَامِ سُوءٍ وَقَالَ: " كَادَ الدِّينَ، وَقَالَ: مَنْ كَادَ الدِّينَ فَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ.

"293" : حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، مَرَّةً أُخْرَى قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَقُولُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا يُخْرِجُهُ مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ: «مَا كَادَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا الدِّينَ».

"294" : حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ «أَيُذْكَرُ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَلَدِكُمْ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِبَلَدِكُمْ أَنْ يُسْكَنَ».

"295" : حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: قَالَ لِي خَالِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : أَبُو حَنِيفَةَ مِنَ الدَّاءِ الْعُضَالِ وَقَالَ مَالِكٌ: أَبُو حَنِيفَةَ يَنْقُضُ السُّنَنَ.

"296" : حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنِي الْحُنَيْنِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ مَوْلُودٌ أَضَرَّ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ»، وَكَانَ يَعِيبُ .

"377" : سَمِعْتُ أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ: قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: كَانَ عِنْدَنَا عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ، فَقَالَ: «قَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ مَنْ قَلَّبَ الْأَمْرَ هَكَذَا وَقَلَّبَ أَيْ بَطْنَ كَفِّهِ عَلَى ظَاهِرِهَا، يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ».
[ دوران السماء والأرض ]


47 – قال ابن كثير في تفسيره / (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر41] :
وَقَدْ رَأَيْتُ فِي مُصَنَّفِ الفَقِيهِ يَحْيَى بن إِبْرَاهِيم بن مَزِين الطُّلَيْطِلِي، سَمَّاهُ "سِيَرُ الفُقَهَاءِ"، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا زُونَان - يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِك بن الحَسَن - عَن ابْن وَهْبٍ، عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ: السَّمَاءُ لاَ تَدُورُ. وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ. وبحديث : " إِنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابًا لِلتَّوْبَةِ لاَ يَزَالُ مَفْتُوحًا حَتَّى تَطْلُع الشَّمْسُ مِنْهُ ".اهـ
(( وفي الآية أيضا أن الأرض لا تدور. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يَقُولُ: كَفَى بِهَا زَوَالاً أَنْ تَدُور. وقال قتادة (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا ) مِنْ مَكَانِهِمَا. [تفسير الطبري]. فإن كان ثمة شيء يدور فعقول هؤلاء المتكلمين بغير هدى. ))





هذا و صل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



هناك تعليق واحد: