الاثنين، 15 سبتمبر 2014

تَفْسِير قَتَادَة بَنْ دِعَامَة رَحِمَهُ الله

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله و بعد،




فقد خرج عبد الرزاق في " تفسيره 349 " قال:
نا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] قَالَ: " الْحِكْمَةُ: الْقُرْآنُ، وَالْفِقْهُ فِي الْقُرْآنِ ".

و ها نحن في هذا الكتاب - يسر الله إكماله - مع تابعي جليل من أهل القرآن و من أهل الفقه في القرآن. ألا و هو قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله. 



جاء في " طبقات المفسرين 2/47" لمحمد بن علي الداودي:
" 415 - قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السّدوسيّ.
الحَافِظُ العَلاَّمَةُ، أَبُو الخَطَّابِ البَصْرِي، الضَّرِيرُ الأَكْمَهُ المُفَسِّرُ.
رَأْسُ الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ، رَوَى تَفْسيِرَهُ عَنْهُ شَيْبَان(1) بَن عَبْدِ الرَّحْمَن التَّمِيمِي مَوْلاَهُمُ النَّحْوِي أَبُو مُعَاوِيَةَ البَصْرِي.
حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بَن سَرْجَس، وَمعَاذَة، وَخَلْق، وَعَنْهُ مِسْعَر، وَابْنُ أَبِي عَرُوبَة، وَشَيْبَان، وَشُعْبَة، وَمَعْمَر. وَأَبَان بَنْ يَزِيد وَأَبُو عَوَانَة، وَحَمَّاد بَنْ سَلَمَة «وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ».
قَالَ مَعْمَرٌ: أَقَامَ قَتَادَة عِنْدَ سَعِيد بْنَ المُسَيِّب ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ لَهُ فِي اليَوْمِ الثَّامِنِ: ارْتَحِلْ يَا أَعْمَى فَقَدْ أَتْرَفْتَنِي.
قَالَ قَتَادَة: مَا قُلْتُ لِمُحَدِّثٍ قَطُّ: أَعِدْ عَلَيَّ، وَمَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ شَيْئًا قَطُّ إِلاَّ وَعَاهُ قَلْبِي.
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَتَادَة أَحْفَظُ النَّاسِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ قَتَادَة يَقُولُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ إِلاَّ وَقَدْ سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد بَن حَنْبَل: قَتَادَة عَالِمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَبِاخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ، وَوَصَفَهُ بِالفِقْهِ وَالحِفْظِ، وَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَقَالَ: قَلَّ أَنْ تَجِدَ مَنْ يَتَقَدَّمُهُ. وَقَالَ: كَانَ قَتَادَة أَحْفَظُ أَهْلِ البَصْرَةِ، لاَ يَسْمَعُ شَيْئًا إِلاَّ حَفِظَهُ، قُرِئَتْ عَلَيْهِ صَحِيفَةُ جَابِرٍ مَرَّةً فَحَفِظَهَا.
قَالَ شُعْبَة: قَصَصْتُ عَلَى قَتَادَة سَبْعِينَ حَدِيثًا كُلّهًا يَقُولُ فِيهَا: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ، إِلاَّ أَرْبَعَة.
وَقَالَ همَّام: سَمِعْتُ قَتَادَة يَقُولُ: مَا أَفْتَيْتُ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةٍ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِي: أَوَ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ قَتَادَة؟. 
وَقَالَ مَعْمَرٌ قُلْتُ لِلزُّهْرِي: أَقَتَادَة أَعْلَمُ عِنْدَكَ أَوْ مَكْحُول؟ قَالَ: بَلْ قَتَادَة." اهـ


و قال الترمذي في " جامعه 2952 ":
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَزْمٍ، أَخُو حَزْمٍ القُطَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ» : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذَا فِي أَنْ يُفَسَّرَ القُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ. 
وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا القُرْآنَ، فَلَيْسَ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي القُرْآنِ أَوْ فَسَّرُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا، أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. " اهـ (2)



وقال البغوي في " الجعديات  904 ":
حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجُوَيْهِ ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : " مَا مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلا قَدْ سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا " .



بل كان تفسير قتادة عند الأئمة معتمد يفتون به.


يقول عبد الله بن أحمد في " العلل و معرفة الرجال 1320 ":
" - سَأَلْتُهُ [يعني: أباه الإمام أحمد] عَنْ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ (يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ)؟ فَقَالَ: قَالَ قَتَادَة: مَا كَانَ بَعْدَ المَوْتِ عَنِ الحِسَابِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ. 
- سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)؟ فَقَالَ: قَالَ قَتَادَة: جَعَلَهُ اللهُ هُدًى وَضِيَاءً لِمَنْ صَدَّقِ بِهِ يَعْنِي القُرْآن. 
- سَأَلْتُهُ عَنِ اليَقِينِ؟ قَالَ: يَعْلَمُ أَنَّ الصَّلاَةَ حَقٌّ يُؤْمِنُ [بـ]هَذِهِ الأَشْيَاءِ يَعْنِي مِثْلَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ.
- سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ)؟ فَقَالَ: تَقِيُّ الأَشْيَاءِ لاَ يَقَعُ فِيمَا لاَ يَحِلُّ لَهُ. " اهـ (3)  



وقال البيهقي في الخلافيّات 5 :
وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قراءةً عليه، قال: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري، يقول: سمعت أبا العباس محمد بن أحمد بن بالويه، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: دخلتُ يومًا على عبد الله بن طاهر وإذا عِنده إبراهيم بن أبي صالح، فقال عبد الله بن طاهر لأبراهيم: يا إبراهيم ما تقول في غسل الثياب، فريضة هو أم سًنّة؟ فأطرق إبراهيم ساعةً ثم رفع رأسه فقال: أعزَّ الله الأمير، غسل الثياب فريضة.
فقال له عبد الله: من أين تقول يا إبراهيم؟ 
قال: من قول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وثِيابك فطهِّرْ}؛ فأمره بتطهير ثيابه.
قال: فكأن عبد الله استحسن ذلك من قوله.
قال إسحاق: فرفعت رأسي فقلت: أعزَّ الله الأمير، كذب هذا على الله وعلى رسوله؛ أخبرنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن سِماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله {وثيابك فطهر}، قال: قلبكَ فنَقِّه. وأخبرنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، في قوله {وثيابك فطهر}، قال: عملكَ فأصلِحْه.
ثم ذكر إسحاق حديثا عن ابن عباس "من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار".
فقال عبد الله بن طاهر لإبراهيم بن أبي صالح: إيّاك أن تنطق في القرآن بغير علم!.اهـ


و كان الإمام أحمد رحمه الله إذا ذكر التابعي الجليل قتادة، أطال الكلام فيه و توسع احتفاءً به

فقد جاء في " موسوعة أقوال الإمام أحمد في رجال الحديث و علله 3/180 ":
" - قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِي: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَذَكَرَ قَتَادَة فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ فَجَعَلَ يَنْشُرُ مِنْ عِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالاخْتِلاَفِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: عَالِمٌ بِتَفْسِيرِ القُرْآنِ، وَبِاخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ وَوَصَفَهُ بِالحِفْظِ وَالفِقْهِ، وَقَالَ: قَلَّمَا تَجِدُ مَنْ يَتَقَدَّمُهُ، أَمَّا المثْلُ فَلَعَّلَ. «الجرح والتعديل» 7/ (756) .
- وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: كَانَ قَتَادَة أَحْفَظ أَهْلِ البَصْرَةِ لاَ يَسْمَعُ شَيْئًا إِلاَّ حَفِظَهُ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ صَحِيفَةُ جِابِرٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَحَفِظَهَا، وَكَانَ سُلَيْمَان التَّيْمِي، وَأَيُّوب يَحْتَاجُونَ إِلَى حِفْظِهِ يَسْأَلُونَهُ وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ، كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً يَوْمَ مَاتَ. «الجرح والتعديل» 7/ (756) .
- وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِي: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَن بَنْ إِبْرَاهِيم، عَنْ أَحْمَد بَنْ حَنْبَل: أَنَّ قَتَادَة جَلَسَ مَجْلِسَ الحَسَنْ. «تاريخه» (1135) . " اهـ




و قد كنت جمعت شيئا من آثاره " مَا صَحَّ مِنْ آثَارِ قَتَادَة بِنْ دِعَامَة رَحِمَهُ الله " و قد جاوزت 150 أثر، نفع الله بها.


و هذا جمع لما صح من أقواله - رحمه الله - في باب نفيس من أبواب العلم وهو تفسير كتاب الله عز و جل.


يقول أبو نعيم في " الحلية ":
حَدَّثَنَا أبو الفرج أحمد بن جعفر النسائي قَالَ : ثَنَا محمد بن جرير قَالَ :ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ :ثَنَا محمد بن عبد العزيز قَالَ :ثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ ، عَنْ قتادة قَالَ :
" بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ يَحْفَظُهُ الرَّجُلُ يَطْلُبُ بِهِ صَلَاحَ نَفْسِهِ وَصَلَاحَ النَّاسِ ، أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ حَوْلٍ كَامِلٍ".



وقال ياقوت الحموي في " معجم الأدباء 2453 ":
وَ قَالَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بَنْ مُجَاهِد: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ [يعني الطبري صاحب التفسير] يَقُولُ:
" إِنيِّ أَعْجَبُ مِمَّنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْلَمْ تَأْوِيلَهُ كَيْفَ يَلْتَذُّ بِقِرَاءَتِهِ ". اهـ

وكان سعيد بن جبير يقول :
" من قرأ القرآن، ثم لم يفسره، كان كالأعمى أو كالأعرابي ". [تفسير الطبري 1/81]




فالله أسأل التوفيق و السداد.





و هنا وقفة بخصوص ما رمي به قتادة من القول بالقدر

فقد جاء في " السير ":
قال ابن المديني: وسمعت يحيى، يقول عن شعبة ، قال : ذكرت لقتادة حديث احتج آدم وموسى ، فقال : مجنون أنت وإيش هذا ؟ ، قد كان الحسن يحدث بها . اهـ


يقول ابن تيمية في " منهاج السنة (3\24) ":
" ولهذا أُتهم بمذهب القدر غير واحد ولم يكونوا قدرية، بل كانوا لا يقبلون الاحتجاج على المعاصي بالقدر، كما قيل للإمام أحمد رحمه الله: كان ابن أبي ذئب قدرياً؟ فقال: الناس كل من شدد عليهم المعاصي قالوا: هذا قدري ". اهـ

و قال أيضا:
" والأولون أيضا يمنعون الاحتجاج بالقدر، فإن الاحتجاج به باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول، وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به ". اهـ



و قد اتهم قتادة بالقول بالقدر و كان طاوس إذا رآه فر منه، و كان مالك يعيب على معمر روايته تفسير قتادة و قال: " أيّ رجلٍ معمرٌ لولا أنَّه يروي تفسير قتادة [السنة للالكائي 4/637]، و قال ابن علية: " كان أصحابنا يكرهون تفسير قتادة [علل أحمد 1126]، و لعله قال به يوما من الأيام لكن الصحيح الذي لا مرية فيه أن الرجل صرح بقول أهل الحق في هذه المسألة.


و هذه بعض الأدلة:

1/ قال الله تعالى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )

يقول ابن أبي حاتم في " تفسيره 28 ":
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَطَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) دَلَّ عَلى نَفْسِهِ أَنَّهُ كَذَا فَقُولُوا.

و قال أيضا " 29 ":
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ: يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوهُ عَلَى أَمَرَكُمْ.


و القدرية لا تقول بهذا. و لما ولي هشام، أرسل إلى غيلان، فقال:
" أليس قد عاهدت الله عز وجل لعمر [يعني ابن عبد العزيز رحمه الله] أن لا تتكلم في شيء من هذا الأمر أبدا؟ قال: أقلني فوالله لا أعود، قال: لا أقالني الله إن أقلتك، هل تقرأ فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، قال: فاقرأ، فقرأ {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين} قال: قف. علام استعنته، على أمر بيده لا تستطيعه إلا به، أو على أمر في يدك أو بيدك؟ اذهبوا به فاقطعوا يديه ورجليه، واضربوا عنقه، واصلبوه. " اهـ [السنة لعبد الله بن أحمد 825]



2/ و قال ابن تيمة في المجموع (16/ 140-141):
" وَقَالَ عبد بن حميد: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ شيبان عَنْ قتادة: {قَدَّرَ فَهَدَى} قَالَ: " لَا وَاَللَّهِ مَا أَكْرَهَ اللَّهُ عَبْدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ قَطُّ وَلَا عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا رَضِيَهَا لَهُ وَلَا أَمَرَهُ وَلَكِنْ رَضِيَ لَكُمْ الطَّاعَةَ فَأَمَرَكُمْ بِهَا وَنَهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ".
قُلْت: قتادة ذَكَرَ هَذَا عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَا قَدَّرَهُ مِنْ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ وقتادة وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُتَنَازِعِينَ فَي مَا سَبَقَ مِنْ سَبْقِ تَقْدِيرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَانَ نِزَاعُ بَعْضِهِمْ فِي الْإِرَادَةِ وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ.
وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي التَّقْدِيرِ السَّابِقِ وَالْكِتَابِ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ الصَّحَابَةُ كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَذَكَرَ قتادة أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكْرَهْ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ.
وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْرِهُ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ كَمَا يُكْرِهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا لِلْمَخْلُوقِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ يُكْرِهُونَهُ بِالْعُقُوبَةِ وَالْوَعِيدِ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ إرَادَةَ الْعَبْدِ لِلْعَمَلِ وَقُدْرَتَهُ وَعَمَلَهُ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قتادة قَدْ يُظَنُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ وَأَنَّهُ لِسَبَبِ مِثْلِ هَذَا اُتُّهِمَ قتادة بِالْقَدَرِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِمَعْمَرٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ التَّفْسِيرَ لِكَوْنِهِ اُتُّهِمَ بِالْقَدَرِ. وَهَذَا الْقَوْلُ حَقٌّ وَلَمْ يُعْرَفْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ قَالَ " إنَّ اللَّهَ أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ ".اهـ


3/ و قال عبد الرزاق في " مصنفه 20101 ":
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْقَدَرِ ، فَقَالَ : " مَا قَدَّرَ اللَّهُ فَقَدْ قَدَّرَهُ " .


4/ وقال البخاري في " خلق أفعال العباد ":
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ زَيْدٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " كَانَتِ الْعَرَبُ تُثْبِتُ الْقَدَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ، فَذَكَرَ إِبْلَاغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِعْلَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] فَسَمَّى تَبْلِيغَهُ الرِّسَالَةَ وَتَرْكَهُ فِعْلًا، فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: عَلَى الرَّسُولِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ ".


5/ و قال الطبري في "تفسيره ":
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ( الْجَبَّارُ ) قَالَ : جَبَرَ خَلْقَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ . 

و المشيئة لا تكون إلا كونية قدرية بخلاف الإرادة. و هذا نص جيد،

أما أهل البدع فيقولون " جبر الله العباد على المعاصي "، و قد كره أحمد أيضا قول من يقول " إِنَّ اللَّهَ جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى الطَّاعَةِ"، قَالَ: بِئْسَ مَا قَالَهُ. [السنة للخلال 921].

و قال أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَبَرَ الْعِبَادَ، فَقَالَ: «هَكَذَا لَا تَقُلْ» ، وَأَنْكَرَ هَذَا، وَقَالَ: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: 93]. [الخلال 920]



6/ وقال أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه 897 ":  [و هو يتكلم عن سعيد بن بشير]
وَرَأَيْتُهُ مَوْضِعًا عِنْدَ أَبِي مُسْهِرٍ لِلْحَدِيثِ ، سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ ، يَقُولُ : " أَتَيْنَا سَعِيدَ بْنَ بَشِيرٍ ، أَنَا ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ لَا أَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الشَّرَ، وَيُعَذِّبُ عَلَيْهِ "، ثُمَّ قَالَ : أسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَرَدْتُ الْخَيْرَ ، فَوَقَعْتُ فِي الشَّرِّ ، أَنْبَأَنَا قَتَادَةُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) سورة مريم آية 83 قَالَ : تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا " .
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ " إِنَّهُ اعْتَذَرَ مِنْ كَلِمَتِهِ ، فَاسْتَغْفَرَ ، وَحُمِلَ عَنْهُ " . اهـ

فانظر كيف فزع الرجل إلى قول قتادة لما زلت قدمه عن الصواب، و التقدير هنا بمعنى الخلق و القدرية يقولون: الله لا يخلق الشر.


7/ و قال عبد الله في " العلل 622 ":
حدثني أبي قال حدثنا عفان قال حدثني معاذ بن معاذ قال جاء الأشعث بن عبد الملك إلى قتادة فقال له قتادة: من أين؟. لعلك دخلت في هذه المعتزلة؟. فقال له رجل: إنه لزم الحسن ومحمدا. قال: هي ها الله إذا فألزمهما.

و المعتزلة قدرية. يقول الخطابي في " معالم السنن":
"إنما جعلناهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين، وهما النور والظلمة، يزعمون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية، وكذلك القدرية، يضيفون الخير إلى الله – عز وجل – والشر إلى غيره، والله – سبحانه وتعالى – خالق الخير والشر، لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته". اهـ


8/ و قال البيهقي في " القضاء و القدر 484 ":
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ ، أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ ، نا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ، نا الْحَكَمُ بْنُ عُمَرَ الرُّعَيْنِيُّ ، قَالَ : أَرْسَلَنِي خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى قَتَادَةَ وَهُوَ بِالْحِيرَةِ [لعلها البصرة] أَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ ، فَكَانَ فِيمَا سَأَلْتُ قُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [سورة الحج آية 17] هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ ؟ قَالَ : " لا ، وَلَكِنَّهُمُ الزَّنَادِقَةُ الْمَنَانِيَّةُ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي خَلْقِهِ . قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْخَيْرَ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَخْلُقُ الشَّرَّ ، وَلَيْسَ لِلَّهِ عَلَى الشَّيْطَانِ قُدْرَةٌ ".


  
وهذا من أقوى ما وقفت عليه في براءة الرجل من هذا الشرك.



هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله  وصحبه  وسلم.

______
1/ يقول الخطيب في " تاريخ بغداد " : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العَبَّاسِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَحْمَد بَنْ سَعِيد بَنْ مرَابَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد ، قَالَ : سَأَلْتُ يَحْيَى بَنْ مَعِين : أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ ، تَفْسِير سَعِيد عَنْ قَتَادَة ، أَوْ تَفْسِير شَيْبَان عَنْ قَتَادَة ؟ قَالَ : تَفْسِيرُ سَعِيدٍ." اهـ  
و قال أبو داود في مسائله [٤٩٢] : سَمِعت أَحْمد يَقُول هِشَام الدستوَائي ثَبت وَلَكِن لَو برز لسَعِيد أَيْن كَانَ يَقع مِنْهُ. سَمِعت أَحْمد يَقُول: كَانَ سعيد بن أبي عرُوبَة يحفظ التَّفْسِير عَن قَتَادَة.اهـ  و قال [٥٣٢] : سَمِعت أَحْمد قيل لَهُ تَفْسِير قَتَادَة؟ قَالَ: إِن كتبته عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد فَلَا تبالي أَن لَا تكتبه عَن أحد.اهـ
وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل 276 ": قلت لأبي زرعة: سعيد بن أبى عروبة أحفظ أو أبان العطار فقال سعيد أحفظ، وأثبت أصحاب قتادة هشام وسعيد". اهـ 
و جا في " تهذيب الكمال " : " قال أَبُو حاتم: سمعت أحمد بْن حنبل، يَقُولُ: لم يكن لسعيد بْن أبي عروبة كتاب، إنما كان يحفظ ذلك كله، وزعموا أن سعيدا، قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إلي أن أكتبه.
وقال أَبُو بَكْرِ بْن أبي خيثمة: عَنْ يحيى بْن معين، أثبت الناس فِي قتادة: سَعِيد بْن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة، فمن حدثك من هؤلاء الثلاثة بحديث يعني: عَنْ قتادة، فلا تبالي أن لا تسمعه من غيره. " اهـ
2/ استفدت هذا النص من مقال لعبد الله الخليفي.
3/ هذا النقل أفادني به أخي عبد الله التميمي وفقه الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق