الحمد لله و
الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،
فإن طريق الحق واحد و طريق الضلال أكثر من واحد.
قال سبحانه ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) - [الأنعام]
و صراط الله منتهاه الجنة، أما السُبل فتنتهي بأصحابها في النار و بئس القرار
قال الفريابي في القدر327:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ ، قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الأَهْوَاءِ أَهْلُ الضَّلالَةِ ، وَلا أَرَى مَصِيرَهُمْ إِلا إِلَى النَّارِ ... " اهـ
يقول شيخ الإسلام في " الحسنة و السيئة " :
" ولهذا كان كل
من لم يعبد الله وحده فلا بد أنه يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا وليس في
بني آدم قسم ثالث بل إما موحد أو مشرك أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل
النصارى ومن أشبههم من الضلال المنتسبين إلى الإسلام
قال الله
تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على
الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)
وقد قال
تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) لما قال إبليس (لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم
أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)
فإبليس لا
يغوي المخلصين ولا سلطان له عليهم إنما سلطانه على الغاوين وهم الذين يتولونه وهم
الذين به مشركون. وقوله (الذين
يتولونه والذين هم به مشركون) صفتان لوصوف واحد فكل من تولاه فهو به مشرك وكل من
أشرك به فقد تولاه.
قال تعالى (ألم
أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا
صراط مستقيم)
وكل من عبد
غير الله فإنما يعبد الشيطان وإن كان يظن أنه يعبد الملائكة والأنبياء وقال تعالى (
ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت
ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون )
ولهذا يتمثل
الشياطين لمن يعبد الملائكة والأنبياء والصالحين ويخاطبونهم فيظنون أن الذي خاطبهم
ملك أو نبي أو ولي وإنما هو الشيطان جعل نفسه ملكا من الملائكة كما يصيب عباد
الكواكب وأصحاب العزائم والطلسمات يسمون أسماء يقولون هي أسماء الملائكة مثل
ميططرون وغيره وإنما هي أسماء الجن
وكذلك الذين
يدعون المخلوقين من الانبياء والملائكة قد يتمثل لأحدهم من يخاطبه فيظنه النبي أو
الصالح الذي دعاه وإنما هو شيطان تصور في صورته أو قال أنا هو لمن لم يعرف صورة
ذلك المدعو
وهذا الشر
يجري لمن يدعو المخلوقين من النصارى ومن المنتسبين إلى الإسلام يدعونهم عند قبورهم
أو مغيبهم ويستغيثون بهم فيأتيهم من يقول إنه ذلك المستغاث به في صورة آدمي راكبا
وإما غير راكب فيعتقد المغيث أنه ذلك النبي والصالح أو أنه أسره أو روحانيته أو
رقيقته تشكل أو يقول أنه ملك جاء على صورته وإنما هو شيطان يغويه لكونه أشرك بالله
ودعا غيره الميت من دونه فصار للشيطان عليه سلطان بذلك الشرك فظن أنه يدعو النبي
أو الصالح أو الملك وأنه هو الذي شفع له أو هو الذي أجاب دعوته وإنما هو الشيطان
ليزيده غلوا في كفره وضلاله
فكل من لم
يعبد الله مخلصا له الدين فلا بد أن يكون مشركا عابدا لغير الله وهو في الحقيقة
عابد للشيطان
فكل واحد من بني آدم إما عابد للرحمن وإما عابد للشيطان
فكل واحد من بني آدم إما عابد للرحمن وإما عابد للشيطان
قال تعالى (ومن يعش عن ذكر
الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون
حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم
إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون )." اهـ
فاللهم سلم
سلم.
و قول شيخ الإسلام بن تيمية :
" ... فيعتقد المغيث أنه ذلك النبي والصالح أو أنه أسره أو روحانيته أو رقيقته تشكل أو يقول أنه ملك جاء على صورته وإنما هو شيطان يغويه لكونه أشرك بالله ودعا غيره الميت من دونه فصار للشيطان عليه سلطان بذلك الشرك " اهـ
نفيس جدا يكشف حقيقة ما يقع.
فإن المرأ ما دام عابدا لله مخلصا له في ذلك فإنه في حفظ الله (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان) فإذا أشرك تسلط عليه الشيطان (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) فيسومه سوء العذاب حتى يجيبه فيما يريد من تقريب القربات و الذبح له و غير ذلك مما يُرى.
يقول الطبري في " تفسيره " بإسناد حسن:
1696 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ : إِذَا أَتَاهُمَا - يَعْنِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ - إِنْسَانٌ يُرِيدُ السِّحْرَ ، وَعَظَاهُ وَقَالَا لَهُ : لَا تَكْفُرْ ، إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ! فَإِنْ أَبَى ، قَالَا لَهُ : ائْتِ هَذَا الرَّمَادَ فَبُلْ عَلَيْهِ ، فَإِذَا بَالَ عَلَيْهِ خَرَجَ مِنْهُ نُورٌ يَسْطُعُ حَتَّى يَدْخُلَ السَّمَاءَ - وَذَلِكَ الْإِيمَانُ - وَأَقْبَلَ شَيْءٌ أَسْوَدُ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي مَسَامِعِهِ وَكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَذَلِكَ غَضَبُ اللَّهِ ، فَإِذَا أَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ عَلَّمَاهُ السِّحْرَ ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) الْآيَةَ . " اهـ
و السدي لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل و هو من تلامذة ابن عباس رضي الله عنه. و خبر هاروت و ماروت قد صح ذكره عن علي و ابن مسعود و ابن عباس و ابن عمر رضوان الله عليهم.
و قد جاء عند ابن قتيبة مثل ما ذكر السدي. يقول في " تأويل مختلف الحديث " :
" 58 وحدثني أبو حاتم ، عن الأصمعي ، عن أبي الزناد ، قال :
" جاءت امرأة تستفتي ، فوجدت النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توفي ، ولم تجد إلا امرأة من نسائه يقال : إنها عائشة رضي اللَّه عنها فقالت لها : يا أم المؤمنين ، قالت لي امرأة : هل لك أن أعمل لك شيئا يصرف وجه زوجك إليك ؟ ، وأظنه قال : فأتت بكلبين ، فركبت واحدا وركبت الآخر ، فسرنا ما شاء اللَّه . ثم قالت : أتدرين أنك ببابل ؟ ودخلت على رجل ، أو قالت : رجلين فقالا لها : بولي على ذلك الرماد ، فذهبت فلم أبل ورجعت إليهما ، فقالا لي : ما رأيت ، قالت : ما رأيت ؟ شيئا . قالا : أنت على رأس أمرك قالت : فرجعت فتشددت ، ثم بلت ، فخرج مني مثل الفارس المقنع ، فصعد في السماء ، فرجعت إليهما ، فقالا لي : ما رأيت ؟ فأخبرتهما . فقالا : ذلك إيمانك قد فارقك ..." اهـ
و المراد أن المرأ إذا أشرك فارقه إيمانه، فكان للشياطين عليه سلطان. و لذلك نسمع أن من يذهبون إلى الأضرحة و الزوايا يقولون أنهم يجدون الراحة و إذا رجعوا إلى بيوتهم فلا ينعمون بها البتة.
يقول ابن القيم في " زاد المعاد ص 63 " :
" وَأَكْثَرُ تَسَلُّطِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ عَلَى أَهْلِهِ تَكُونُ مِنْ جِهَةِ قِلَّةِ دِينِهِمْ ، وَخَرَابِ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ حَقَائِقِ الذِّكْرِ ، وَالتَّعَاوِيذِ ، وَالتَّحَصُّنَاتِ النَّبَوِيَّةِ وَالْإِيمَانِيَّة فَتَلْقَى الرُّوحُ الْخَبِيثَةُ الرَّجُلَ أَعْزَلَ لَا سِلَاحَ مَعَهُ ، وَرُبَّمَا كَانَ عُرْيَانًا فَيُؤَثِّرُ فِيهِ هَذَا.
وَلَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَرَأَيْتَ أَكْثَرَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ صَرْعَى هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ ، وَهِيَ فِي أَسْرِهَا وَقَبْضَتِهَا تَسُوقُهَا حَيْثُ شَاءَتْ ، وَلَا يُمْكِنُهَا الِامْتِنَاعُ عَنْهَا وَلَا مُخَالَفَتُهَا ، وَبِهَا الصَّرَعُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَا يُفِيقُ صَاحِبُهُ إِلَّا عِنْدَ الْمُفارَقَةِ وَالْمُعَايَنَةِ ، فَهُنَاكَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ كَانَ هُوَ الْمَصْرُوعَ حَقِيقَةً ، وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ . " اهـ
هذا حال من كان قليل الدين غافلا عن ذكر الله. فكيف بمن أشرك. لا شك أنهم يسومونه سوء العذاب.
( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )
ثم يأتي المتفلسفة يقولون لا فرق بين التوحيد و الشرك إلا أن الله أمر بهذا و نهى عن هذا. و العاقل يرى قبح الشرك وأنه أقبح شيء قد يقع فيه المرأ قائلا:
" لا جرم أن الله لا يغفره ".
هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق