الحمد لله و الصلاة و
السلام على رسول الله وبعد
يقول معمر بن راشد في
جامعه 985 :
عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النَّجُودِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ :
" الْقَلْبُ مَلِكٌ
وَلَهُ جُنُودٌ ، فَإِذَا صَلُحَ الْمَلِكُ صَلُحَتْ جُنودُهُ ، وَإِذَا فَسَدَ
الْمَلِكُ فَسَدَتْ جُنودُهُ ، الأُذُنَانِ قَمْعٌ ، وَالْعَيْنَانِ مَسْلَحَةٌ ،
وَاللِّسَانُ تَرْجُمَانٌ ، وَالْيَدَانِ جَنَاحَانِ ، وَالرِّجْلانِ بَرِيدَانِ ،
وَالْكَبِدُ رَحْمَةٌ ، وَالطِّحَالُ وَالْكُلْيَتَانِ مَكْرٌ ، وَالرِّئَةُ نَفَسٌ
، فَإِذَا صَلُحَ الْمَلِكُ صَلُحَتْ جُنودُهُ ، وَإِذَا فَسَدَ الْمَلِكُ
فَسَدَتْ جُنودُهُ " .
أبو صالح السمان هو
ذكوان، ثقة ثبت.
يقول ابن القيم كما في
" الداء و الدواء ":
" ...و عَلَّمَ
سبحانه عباده كيفية هذه الحرب و الجهاد، فجمعها لهم في أربع كلمات فقال( َياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صَابِرُوا وَ رَابِطُوا وَ اتَّقُوا
اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ). و لا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور
الأربع: فلا يتم له الصبر إلا بمصابرة العدو و هي مقاومته و منازلته، فإذا صابر
عدوه احتاج إلى أمر آخر و هو المرابطة، و هي لزوم ثغر القلب و حراصته لئلا يدخل
معه العدو، و الثغر هو الموضع الذي يخاف هجوم العدو منه، و لزوم ثغر العين و
اللسان و البطن و اليد و الرجل، فهذه الثغور منها يدخل العدو، فيجوس خلال الديار و
يفسد ما قُدِّرَ أن يقدر عليه.
فالمرابطة لزوم هذه
الثغور و لا يُخْلِي مكانها فَيُصَادِفَ العدو الثغر خاليا فيدخل منه. فهؤلاء
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم خير الخلق بعد النبيين و المرسلين
و أعظمهم حماية و حراصة من الشيطان الرجيم، و قد أخلو المكان الذي أمروا بلزومه
يوم أُحُد، فدخل منه العدو فكان ما كان .
و جماع هذه الثلاثة
" اصبروا و صابروا و رابطوا" و عمودها الذي تقوم به هو تقوى الله تعالى،
فلا ينفع الصبر و لا المصابرة و لا المرابطة إلا بالتقوى، و لا تقوم التقوى إلا
على ساق الصبر، فانظر الآن (و هنا الشاهد) إلى إلتقاء الجيشين و اصطدام العسكرين،
و كيف تُدَالُ مرة و يُدَالُ عليك مرة أخرى:
أقبل مَلِكُ الكَفَرَة
[يعني إبليس، أعاذنا الله منه] بجنوده و عساكره، فوجد القلب في حصنه جالسا على
كرسي مملكته، أمرهُ نَافِدٌ في أعوانه و جنده قد حَفُّوا به، يقاتلون عنه و
يدافعون عن حوزته، فلم يُمكنه الهجوم إلا بمخامرة بعض أُمرائه و جنده عليه [يعني
باستمالتهم إليه]، فسأل عن أَخصِّ الجند به و أقربهم منه منزلة فقيل له هي النفس.
فقال لأعوانه، أدخلوا عليها من مرادها و انظروا مواقع محبتها و ما هو محبوبها،
فَعِدُوهَا به، و مَنُّوهَا إياه، و انقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها و في
منامها، فإذا اطمأنت إليه و سكنت عنده، فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة، و خطاطيفها
ثم جروها بها إليكم، فإذا خامرة على القلب و خانة [ يعني صارت عليه بالغش و
الخديعة ] و صارت معكم عليه ملكتم ثغور العين و الأذن و اللسان و الفم و اليد
و الرجل، فرابطوا على هذه الثغور كلَّ المرابطة، فمتى دخلتم منها إلى القلب فهو
قتيل أو أسير، أو جريح مثخن بالجراحات، و لا تُخلوا هذه الثغور، و لا تُمكِّنوا
سرية تدخل فيها [ أي في الثغور المذكورة ] إلى القلب فتخرجكم منها، و إن
غلبتم فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها حتى لا تصل إلى القلب و إن وصلت إليه وصلت
ضعيفة لا تغني عنه شيئا.
فإذا استوليتم على هذه
الثغور، فامنعوا ثغر العين أن يكون نظر اعتبار، بل اجعلوا نظره تفرجا و استحسانا
وتلهيا، فإن استرق نَظْرَةَ عِبرَةٍ، فأفسدوها عليه بنظرة الغفلة و الإستحسان و
الشهوة، فإنه أقرب إليه و أعلق بنفسه و أخفه عليه، و دونكم ثغر العين فإن منه
تنالون بُغْيَتَكُم فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر، فإني أبدر به في القلب
بدر الشهوة، ثم أسقيه بماء الأمنية، ثم لا أزال أعده و أمنيه حتى أقوي عزيمته، و
أقدوه بزمام الشهوة إلى الإنخلاع من العصمة، فلا تهملوا أمر هذا الثغر و أفسدوه
بحسب استطاعتكم، و هَوِّنُوا عليه أمره، و قولوا له: مقدار نظرة تدعوك إلى تسبيح
الخالق و التأمل لبديع صنيعه و حسن هذه الصورة التي إنما خلقة ليستدل بها الناظر
عليه، و ما خلق الله لك العينين سدى، و ما خلق الله هذه الصورة ليحجبها عن
النظر.
و إن ظفرتم به قليل العلم
فاسد العقل، فقولوا له: هذه الصورة مظهر من مظاهر الحق و مَجْلاً من مجاليه،
فادعوه إلى القول بالإتحاد، فإن لم يقبل، فالقولِ بالحلول العام أو الخاص، و لا
تقنعوا منه بدون ذلك، فإنه يصير به من إخوان النصارى، فامروه حينئذ بالعفة و
الصيانة و العبادة و الزهد في الدنيا، و اصطادوا عليه و به الجهال، فهذا من أكبر
خلفائي و أكبر جندي، بل أنا من جنده و أعوانه.
ثم امنعوا ثغر الأذن أن
يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر، فاجتهدوا ألا تدخلوا منه إلا الباطل، فإنه خفيف على
النفس تستحليه و تستحسنه، تخيروا له أعذب الألفاظ و أسحرها للألباب و امزجوه بما
تهوى النفس مزجى، و ألقوا الكلمة فإن رأيتم منه إصغاءً إليه، فزجوه بأخواتها و
كلما صادفتم منه استحسان شيئ فالهجوا له بذكره، و إياكم أن يدخل من هذا الثغر شيئ
من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام النصحاء. فإن غلبتم على ذلك و دخل من ذلك شيئ
[ يعني من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام النصحاء ] فحولوا بينه و بين فهمه و
التفكر فيه و العظة به، إما بادخال ضده عليه وإما بتهويل ذلك و تعظيمه و أن هذا
أمر قد حيل بين النفوس و بينه فلا سبيل لها إليه و هو حمل يتقل عليها لا تستقل به.
و إما بإرخاصه على النفوس، و أن الإشتغال ينبغي أن يكون بما هو أغلى عند الناس و
أعزُّ عليهم و أغرب عندهم، و ذُهُونُهُ القابلون له أكثر، و أما الحق فهو مهجور و
قائله معرض نفسه للعداوة و الرابح بين الناس أولى بالإيثار و نحو ذلك. فتُدخلون
الباطل عليه في كل قالب يقبله و يخف عليه، و تُخرجون له الحق في كل قالب يكرهه و
يثقل عليه.
و إذا شأت أن تعرف ذلك،
فانظر إلى إخوانهم من شياطين الإنس، كيف يخرجون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
في قالب كثرة الفضول، و تتبع عثرات الناس و التعرض من البلاء لما لا يطيق، و إلقاء
الفتن بين الناس و نحو ذلك. و يخرجون أتباع السنة ووصف الرب تعالى بما وصف به نفسه
ووصفه به رسول صلى الله عليه و سلم في قالب التجسيم و التشبيه و التكييف، و يسمون
علو الله على خلقه و استوائه على عرشه و مباينته لمخلوقاته تحيزا، و يسمون نزوله
إلى السماء الدنيا و قوله من يسألني فأعطيه [وهو متفق عليه] تحركا و انتقالا، و
يسمون ما وصف به نفسه من اليد و الوجه أعضاءً و جوارحاَ، و يسمون ما يقوم به
من أفعاله حوادث و ما يقوم به من صفاته أعراضا.
ثم يتوصلون إلى نفي ما
وصف به نفسه بنفي هذه الأمور و يوهمون الأغمار [الغمر من لا تجربة له] و ضعفاء
البصائر أن إثبات الصفات التي نطق بها كتاب الله و سنة رسوله تستلزم هذه الأمور، و
يخرجون هذا التعطيل في قالب التنزيه و التعظيم، و أكثر الناس ضعفاء العقول يقبلون
الشيء بلفظه و يردونه بعينه بلفظ آخر، قال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ
نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِين الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورَا ﴾ فسماه زخرفا و هو باطل، لأن صاحبه يزخرفه و يزينه ما
استطاع إلى ذلك سبيلا و يلقيه إلى سمع المغرور فيغتر به.
ثم يقول الشيطان لأعوانه،
قوموا على ثغر اللسان فإنه الثغر الأعظم و هو قُبَالَةُ الملك، فأجروا عليه من
الكلام ما يضره و لا ينفعه، و امنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه من ذكر الله
تعالى و استغفاره و تلاوة كتابه و نصيحة عباده و التكلم بالعلم النافع، و يكون لكم
في هذا الثغر أمران عظيمان لا تبالون بأيهما ظفرتم: أحدهما التكلم بالباطل، و
الثاني السكوت عن الحق.
التكلم بالباطل [يقول
للشياطين]، فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم و من أكبر جندكم و أعوانكم. و
الثاني السكوت عن الحق، فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس كما أن الأول أخ لكم ناطق.
و ربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم، أما سمعتم قول الناصح : المتكلم بالباطل
شيطان ناطق و الساكت عن الحق شيطان أخرص، فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم
بحق أو يمسك عن باطل، و زينوا له التكلم بالباطل بكل طريق و خوفوه من التكلم بالحق
بكل طريق.
و اعلموا يا بني
[يقول الشيطان لبنيه و أعوانه] أن ثغر اللسان هو الذي أهلكُ به بني آدم، و أكبهم
به على مناخرهم في النار، فكم لي من قتيل و أسير و جريح أخدته من هذا الثغر.
و أوصيكم بوصية فاحفظوها " لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة و
يكون الآخر على لسان السامع فينطق باستحسانها و تعظيمها و التعجب منها و يطلب من
أخيه إعادتها " و كونوا أعوانا على الإنس بكل طريق و ادخلوا عليهم من كل باب
و اقعدوا لهم كل مرصد، أما سمعتم قسمي الذي أقسمت به لربهم حيث قلت ﴿
فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيم ثُمَّ
لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ
وَ عَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرْينَ ﴾، أوما تروني قد
قعدت لبني آدم كما بطرقه كلها فلا يفوتني من طريق الا قعدت له بطريق غيره حتى أصيب
منه حاجتي أو بعضها و قد حذرهم من ذلك رسولهم صلى الله عليه وسلم و قال لهم
" إن الشيطان قد قعد لإبن آدم بطرقه كلها، و قعد له بطريق الإسلام، فقال
أتسلم و تدر دينك و دين آبائك ؟ فخالفه و أسلم، فقعد له بطريق الهجرة، فقال أتهاجر
و تدر أرضك و سمائك؟ فخالفه و هاجر، فقعد كه بطريق الجهاد، فقال أتجاهد فتقتل
فيقسم المال و تنكح الزوجة."
فهكذا [يقول الشيطان]
فاقعدوا لبني آدم بكل طرق الخير، فإذا أراد أحدهم أن يتصدق فاقعدوا له على طريق
الصدقة و قولوا له في نفسه " أتخرج المال فتبقى مثل هذا السائل و تصير
بمنزلته أنت و هو سواء ". أو ما سمعتم ما ألقيت على لسان رجل سأله آخر أن
يتصدق عليه فقال: هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم. واقعدوا له بطريق الحج،
فقولوا " طريقه مخوفة مشقة، يتعرض سالكها لتلف النفس و المال ". و هكذا
فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير عنها و ذكر صعوباتها و آفاتها. ثم اقعدوا لهم
على طرق المعاصي، فحسنوها في أعين بني آدم و زينوها في قلوبهم و اجعلوا أكثر
أعوانكم على ذلك النساء، فمن أبوابهن فادخلوا عليهم فنعم العون هن لكم معشر
الشياطين.
ثم الزموا ثغر
اليدين و الرجلين، فامنعوها أن تبطش بما يضركم و تمشي فيه.
و اعلموا أن أكبر أعوانكم
على لزوم هذه الثغور مصالحة النفس الأمارة فأعينوها و استعينوا بها و أمدوها و
استمدوا منها و كونوا معها على حرب النفس المطمإنة، فاجتهدوا في كسرها و إبطال
قواها، و لا سبيل إلى ذلك إلا بقطع موادها عنها، فإذا انقطعت موادها و قويت مواد النفس
الأمارة و انطاعت لكم أعوانها، فاستنزلوا القلب من حصنه و اعزلوه عن مملكته وولوا
مكانه النفس الأمارة، فإنها لا تأمر إلا بما تهوونه و تحبونه و لا تجيئكم بما
تكرهونه البتتة. مع أنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها، بل إذا أشرتم عليها
بشيء بادرت إلى فعله، فإن أحسستم من القلب منازعة إلى مملكته و أردتم الأمن من ذلك
فاعقدوا بينه و بين النفس عقد النكاح، فزينوها و جملوها و أروها إياه في أحسن صورة
عروس توجد، و قولوا له: " ذق طعم هذا الوصال و التمتع بهذه العروس كما ذقت
طعم الحرب و باشرت مرارت الطعن و الضرب، ثم وازن بين لذت هذه المسألة و مرارت تلك
المحاربة، فدع الحرب تضع أوزارها فليست بيوم و تنقضي و إنما هو حرب متصل بالموت، و
قواك تضعف عن حرب دائم ".
و قال الشيطان لأعوانه، و
استعينوا يا بني بجندين لن تغلبوا معهما، جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن
الله تعالى و الدار الآخرة بكل طريق فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك، فإن
القلب إذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه و من إغوائه. و الثاني جند الشهوات،
فزينوها في قلوبهم و حسنوها في أعينهم و صولوا عليهم بهذين العسكرين بجند الغفلة و
جند الشهوات فليس لكم من بني آدم أبلغ منهما، و استعينوا على الغفلة بالشهوات و
على الشهوات بالغفلة واقرنوا بين الغافلين ثم استعينوا بهما على الذاكر و لا يغلب
واحد خمسة، فإن مع الغافلين شيطانين صاروا أربعة و شيطان الذاكر معهم، و إذا رأيتم
جماعة مجتمعين على ما يضركم من ذكر الله أو مذاكرة أمره و نهيه و دينه و لم تقدروا
على تفريقهم فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الإنس البَطَّالين فقربوهم منهم و
شوشوا عليهم بهم.
و بالجملة فأعدوا للأمور
أقرانها، و ادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته و شهوته فساعدوه عليها و
كونوا له أعوانا على تحصيلها، و إذا كان الله قد أمرهم أن يصبروا لكم و يصابروكم و
يرابطوا عليكم الثغور، فاصبروا أنتم و صابروا و رابطوا عليهم بالثغور و انتهزوا
فرصكم فِيهِمْ عند الشهوة و الغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.
[يقول الشيطان لبنيه] و
اعلموا أنه منهم [أي من بني آدم] من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب و سلطان
غضبه ضعيف مقهور، فخدوا عليه طريق الشهوة و دعوا طريق الغضب. و منهم من يكون سلطان
الغضب عليه أغلب فلا تخلوا طريق الشهوة قلبه و لا تعطلوا ثغرها، فإن لم تملك نفسه
عند الغضب فإنه الحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة، فزوجوا بين غضبه و شهوته
وامزجوا أحدهما بالآخر و ادعوه إلى الشهوة من باب الغضب و إلى الغضب من طريق
الشهوة.
واعلموا أنه ليس لكم في
بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين "الشهوة والغضب " و إنما أخرجت
أبويهم من الجنة بالشهوة، و إنما ألقيت العداوت بين أولادهم بالغضب. فبه قُطِعَت
أرحامهم و أيضا وبه قَطَعْتُ أرحامهم و سفكت دمائهم و به قتل أحد ابني آدم أخاه، و
اعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم و الشهوة تثور من قلبه و إنما تطفأ النار
بالماء و الصلاة و الذكر و التكبير فإياكم أن تمكنوا بني آدم عند غضبه وشهوته من قُربان
الوضوء و الصلاة، فإن ذلك يطفأ عنهم نار الغضب و الشهوة و قد أمرهم نبيهم [صلّى
الله عليه و سلم] بذلك فقال : " إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم من
احمرار عينيه و انتفاخ أوداجه، فمن أحس بذلك فليتوضأ ". (1). و قال لهم
" إنما تطفأ النار بالماء ".(1)
و قد أوصاهم الله [يقول
الشيطان لبنيه] أن يستعينوا عليكم بالصبر و الصلاة، فحولوا بينهم و بين ذلك و
أنسوهم إياه و استعينوا عليهم بالشهوة و الغضب و أبلغ أسلحتكم
فيهم و أنكاها الغفلة و
اتباع الهوى، و أعظم أسلحتهم فيكم و أمنع حصونهم ذكر الله و مخالفة الهوى، فإذا
رأيتم الرجل مخالفا لهواه فاهربوا من ظله و لا تدنوا منه.
و المقصود أن الذنوب و
المعاصي سلاح و مدد، يمد بها العبد أعدائه و يعينهم بها على نفسه فيقاتلون بسلاحه
و يكون معهم على نفسه و هذا غاية الجهل. و من العجب أن العبد يسعى في هوان نفسه و
هو يزعم أنه لها مكرم، و يجتهد في حرمانها أعلى حظوظها و أشرفها و هو يزعم أنه
يسعى في حظها، و يبدل جهده في تحقيرها و تصغيرها و تدنيسها و هو يزعم أنه يعليها و
يرفعها و يكبرها. فكان بعض السلف يقول في خطبته:" ألا رُبَّ مهين لنفسه و هو
يزعم أنه لها مكرم و مذل لنفسه و هو يزعم أنه لها معز، و مصغر لنفسه و هو
يزعم أنه لها مكبر، و مذيع لنفسه و هو يزعم أنه مراع
لحفظها، فكفى بالمرأ جهلا
أن يكون مع عدوه على نفسه يبلغ منها بفعله ما لم يبلغ منه عدوه، و الله
المستعان".
انتهى كلامه رحمة الله
عليه.
هذا و صل اللهم على نبينا
محمد و على آله و صحبه و سلم.
ـــــــــــــــــ
1 – قال بعض الشراح: لما
جاءت النصيحة من إبليس اللعين، لم يحسن إلا أن يأتي بالأحاديث الضعيفة، و أن
الإمام ابن القيم رحمه الله قصد ذلك. " و الله أعلم ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق