الأربعاء، 11 يونيو 2014

كِتَابٌ مِنْ سُفْيَان بَنْ سَعِيد الثَّوْرِي رَحِمَهٌ الله

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،



 فهذه وصية من الإمام سفيان الثوري رحمه الله إلى عباد بن عباد، بعد أن سأله أن يكتب له كتابا يصف له فيه خلال يصحب بها أهل زمانه.
  

يقول ابن أبي حاتم في " تقدمة الجرح والتعديل " :
حَدثنا إِسماعيل بن إِسرائيل السلال، حَدثنا الفريابي قال: كتب سُفيان بن سعيد إلى عباد بن عباد فقال:

من سُفيان بن سعيد إلى عباد بن عباد، سلام عليك فإِني أَحمد إليك الله الذي لا إله إِلاَّ هو؛ أما بعد.
فإِني أوصيك بتقوى الله، فإِن اتقيت الله عز وجل كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئًا.

سألت أَن أكتب إليك كتابًا أصف لك فيه خلالا تصحب بها أهل زمانك وتؤدي إِليهم ما يحق لهم عليك، وتسأل الله عز وجل الذي لك.

وقد سألت عن أَمر جسيم، الناظرون فيه اليوم المقيمون به قليل، بل لاَ أعلمُ مكان أحد، وكيف يستطاع ذلك؟ وقد كدر هذا الزمان، أَنه ليشتبه الحق والباطل، ولا ينجو من شره إِلاَّ من دعا بدعاء الغريق. فهل تعلم مكان أحد هكذا ؟ وكان يقال : يوشك أَن يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم.

 فعليك بتقوى الله عز وجل والزم العزلة واشتغل بنفسك واستأنس بكتاب الله عز وجل، واحذر الأمراء، وعليك بالفقراء والمساكين والدنو منهم.

 فان استطعت أَن تأمر بخير في رفق فإِن قبل منك حمدت الله عز وجل، وإن رد عليك أقبلت على نفسك فإِن لك فيها شغلا.

واحذر المنزلة وحبها فإِن الزهد فيها أشد من الزهد في الدنيا.

وبلغني أَن أَصحاب محمد صَلى الله عَليه وسَلم كانوا يتعوذون أَن يدركوا هذا الزمان وكان لهم من العلم ما ليس لنا، فكيف بنا حين أدركنا على قلة علم وبصر وقلة صبر وقلة أعوان على الخير مع كدر من الزمان وفساد من الناس ؟

وعليك بالأمر الأول والتمسك به .

وعليك بالخمول فإِن هذا زمان خمول .

وعليك بالعزلة وقلة مخالطة الناس فان عُمر بن الخطاب، رَضي الله عَنهُ قال: إياكم والطمع، فإِن الطمع فقر، واليأس غنى، وفي العزلة راحة من خلاط السوء. وكان سَعيد بن المُسيَّب يقول: "العزلة عبادة".
وكان الناس إِذا التقوا انتفع بعضهم ببعض ، فأما اليوم فقد ذهب ذلك والنجاة في تركهم فيما نرى.

وإياك والأمراء والدنو منهم وأن تخالطهم في شيء من الأَشياء، وإياك أَن تخدع، فيقال لك: تشفع فترد عن مظلوم، أَو مظلمة، فإِن تلك خدعة إبليس وإنما اتخذها فجار القراء سلماً.
وكان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإِن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
وما كفيت المسألة والفتيا فاغتنم ذلك، ولا تنافسهم، وإياك أَن تكون ممن يحب أَن يعمل بقوله وينشر قوله، أَو يسمع منه.

 وإياك وحب الرياسة، فإِن من الناس من تكون الرياسة أحب إِليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إِلاَّ البصير من العلماء السماسرة.

واحذر الرئاء فإِن الرئاء أخفى من دبيب النمل. وَقال حُذيفة: "سيأتي على الناس زمان يعرض على الرجل الخير والشر، فلا يدري أيما يركب".

وقد ذكر عن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قَال: لا تزال يد الله عز وجل على هذه الأُمة وفي كنفه وفي جواره وجناحه، ما لم يمل قراؤهم إلى أمرائهم وما لم يبر خيارهم أشرارهم، وما لم يعظم أبرارهم فجارهم، فإذا فعلوا ذلك رفعها عنهم، وقذف في قلوبهم الرعب وأنزل بهم الفاقة وسلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب.

وقال: إِذا كان ذلك لا يأتيهم أمر يضجون منه إِلاَّ أردفه بآخر يشغلهم عن ذلك، فليكن الموت من شأنك، ومن بالك، وأقل الأمل، وأكثر ذكر الموت، فإِنك إِن أكثرت ذكر الموت هان عليك أمر دنياك.
وقال عُمر: أكثروا ذكر الموت، فإِنكم إِن ذكرتموه في كثير قلله، وإن ذكرتموه في قليل كثره، واعلموا أَنه قد حان للرجل يشتهي الموت.


أعاذنا الله وإياك من المهالك، وسلك بنا وبك سبيل الطاعة. " اهـ


رحمه الله رحمة واسعة. فكيف لو رأى زماننا !!!

 و قد استفدت هذا النص النفيس، من مقال للأخ عبد الله التميمي - وفقه الله - بعنوان
" من سفيان بن سعيد الثوري إلى من يهمه الأمر ...! "




هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله  وصحبه و سلم.


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق