الاثنين، 14 يوليو 2014

(وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)

الحمد لله والصلاة  والسلام على رسول الله، وبعد



يقول الله جل و علا ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا 13 اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا 14 مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا 15 ) [الإسراء]


يقول الطبري في " تفسيره " :
حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفَقِيمِيِّ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) قَالَ : مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَفِي عُنُقِهِ وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ . قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ ، قَالَ :  هُوَ مَا سَبَقَ .  

يقول أبو جعفر (الطبري):
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَكَيْفَ قَالَ : أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وصَفْتَ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَلْزَمْنَاهُ فِي يَدَيْهِ وَرَجْلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ؟
قِيلَ : لِأَنَّ الْعُنُقَ هُوَ مَوْضِعُ السِّمَاتِ ، وَمَوْضِعُ الْقَلَائِدِ وَالْأَطْوِقَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُزَيِّنُ أَوْ يُشِينُ ، فَجَرَى كَلَامُ الْعَرَبِ بِنِسْبَةِ الْأَشْيَاءِ اللَّازِمَةِ بَنِي آدَمَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَضَافُوا الْأَشْيَاءَ اللَّازِمَةَ سَائِرِ الْأَبْدَانِ إِلَى الْأَعْنَاقِ ، كَمَا أَضَافُوا جِنَايَاتِ أَعْضَاءِ الْأَبْدَانِ إِلَى الْيَدِ ، فَقَالُوا : ذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَرَّ عَلَيْهِ لِسَانُهُ أَوْ فَرْجُهُ ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ( أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) . " اهـ



وقد صح عن أنس رضي الله عنه، تفسير الطائر بالكتاب.

يقول ابن أبي شيبة في " المصنف ":
حدثنا وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ دِرْهَمٍ قَالَ : سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : (وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) قَالَ : كِتَابَهُ .


و سمي الكتاب طائرا لأن الأعمال التي تكتب فيه تتطاير من العبد بعد الإتيان بها.

فإن كان لله جُعل في عليين، و هي " السَّمَاءُ السَّابِعَةُ "، قاله مجاهد (1)

و إن كان العمل لغير الله جعل في سجين.
 يقول أبو نعيم في " الحلية " :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : ثَنَا عبد الله بن أبي داود ، قَالَ : ثَنَا محمود بن خالد قَالَ :ثَنَا عُمَرْ بَنْ عَبْدِ الوَاحِد ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : إِنَّ الْمَلَكَ لَيَصْعَدُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مُبْتَهِجًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اجْعَلُوهُ فِي سِجِّينٍ إِنِّي لَمْ أُرَدْ بِهَذَا الْعَمَلِ." اهـ

فنعوذ بالله من الخزي و الخذلان و الغرور.

و سجين الأرض السفلى. 
قال مجاهد :" ( لفي سجين ) قال : عَمَلُهُمْ فِي الأَرْضِ السَّابِعَةِ لاَ يَصْعَدُ ."(2)



و كل امرأ منا يصنف كتابه بنفسه، فليحرص المرأ ألا يخط فيه إلا ما يسره. نسأل الله التوفيق فإنا لله و إنا إليه راجعون.

قال جل وعلا ( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ). 



(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).





هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه  وسلم.


________
1، 2 : تفسير الطبري بسند صحيح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق