الأربعاء، 16 مارس 2016

مَنِ اتَّخَذَ القُرْآنَ إِمَامًا فَقَدْ تَلاَهُ

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،



قال جل و علا ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) [البقرة]

يقول الطبري في " تفسيره 1878 ":
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) ، هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، آمَنُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَصَدَّقُوا بِهِ .

و قال أيضا " 1902":
حَدَّثَنَا بِشْر بَن مُعَاذ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيد بَنْ زُرَيْع قَال، حَدَّثَنَا سَعِيد، عَنْ قَتَادَة: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ) ، قَالَ: أَحَلُّوا حَلاَلَهُ، وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ، وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ حَقَّ تِلاَوَتِهِ: أَنْ يُحِلَّ حَلاَلَهُ، وَيُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَأَنْ يَقْرَأَهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ يُحَرِّفُهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ.


و التلاوة الإتباع.

قال جل و علا ( وَ الشَّمْسِ وَ ضُحَاهَا وَ القَمَرِ إِذَا تَلاَهَا ) [الشمس]

قال مجاهد : إِذَا تَبِعَهَا. [تفسير الطبري]


و لو كان كل قارئ للقرآن مؤمن به لما كان للمتبع فضل على غير المتبع. و الله يقول ( أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ )


يقول ابن أبي شيبة في مصنفه [ط/عوامة 30632]:
حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْبَخْْتَرِيِّ الطَّائِيُّ : اتَّبِعْ هَذَا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَهْدِيكَ.

و قال 30638:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ : مَرَّتْ بِعِيسَى امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ : طُوبَى لِبَطْنٍ حَمَلَك ، وَلِثَدْيٍ أَرْضَعَك ، قَالَ : فَقَالَ : عِيسَى طُوبَى لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ.
30639 ء حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ وَاصل عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : مَرَّتِ امْرَأَةٌ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.




و قال ابن المبارك في " الزهد 791 "
أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ : " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ سورة الزمر آية 33 ، قَالَ : هُمُ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدِ اتَّبَعُوهُ " ، أَوْ قَالَ : " قَدِ اتَّبَعُوا مَا فِيهِ " .

و قال أيضا " 792 ":
أَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ، يَقُولُ : " الْقُرْآنُ يَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، جَعَلْتَنِي فِي جَوْفِهِ ، فَأَسْهَرْتُ لَيْلَهُ ، وَمَنَعْتُ جَسَدَهُ مِنْ شَهْوَتِهِ ، وَلِكُلِّ عَامَلٍ مِنْ عَمَلِهِ عُمَالَةٌ ، فَيُوقَفُ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَيَقُولُ : ابْسُطْ يَدَكَ ، فَتُمْلأُ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، فَلا يَسْخَطُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ ، وَارْقَهْ ، فَيُرْفَعُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً " .


وكان الحسن البصري يقول :
" اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه، ربَّ حامل فقه غير ومن لم ينفعه علمه ضره جهله ". [الزهد لأحمد 1667].اهـ


على أن المراد ليس ترك حفظ القرآن، فإن حفظه وتعليمه سنة لا يزال الناس يأخذون بها خلفا عن سلف، ولكن المراد الحفظ الذي ينفع لا حفظ الحروف.



يقول ابن تيمية في " بيان تلبيس الجهمية ":
" فرأيت قوما منهم يجتهدون في قراءة القرآن وحفظ حروفه والاكثار من ختمه ثم اعتقاده فيه ما قد بيناه اجتهاد روغان كالخوارج وذكر باسناده من حديث سفيان الثوري عن الصلت بن بهرام عن المنذر بن هوذة عن خرشة ابن الحر ان حذيفة بن اليمان قال انا آمنا ولم نقرأ وسيجيء قوم يقرؤون القرآن ولا يؤمنون. وباسناده من حديث زيد بن ابي انيسة عن القاسم بن عون قال سمعت ابن عمر يقول لقد عشنا برهة من دهرنا وان احدنا يؤتى الايمان قبل القرآن. وباسناده من حديث اسماعيل بن مهاجر عن أبيه عن ابن عمر قال انا كنا صدور هذه الأمة وكان الرجل من خيار اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وصالحيهم وما يتم الا سورة من القرآن او شبه ذلك وكان القرآن قد ثقل عليهم رزقوا علما به و عملا وان آخر هذه الأمة يخفف عليهم القرآن حتى يقرأه الصبي والعجمي لا يعلمون شيئا منه. قلت ومثل ذلك معروف عن جندب بن عبد الله البجلي انه قال اوتينا الايمان قبل ان نقرأ القرآن ثم اوتينا القرآن فازددنا ايمانا وانكم تؤتون القرآن قبل الايمان ...". اهـ


و قال ابن القيم في " زاد المعاد ":
" أهل القرآن هم العالمون به و العاملون بما فيه، و إن لم يحفظوه عن ظهر قلب. و أما من حفظه و لم يفهمه و لم يعمل بما فيه فليس من أهله و إن أقام حروفه إرامة السهم ". اهـ




و قد رأيت أحدهم يقول " هذه الخلافات الموجودة الآن في الساحة والكل يتكلم سببها عدم حفظ القرآن ". اهـ


وهو يريد بذلك - والله أعلم - التحصن، فإذا جاء بمنكر ورد عليه أحد وبين موطن الخطأ أجابه هل تحفظ القرآن فإذا قال لا قال لا تتكلم لست بطالب علم.



فلا كثّر الله في الناس من هؤلاء القراء الذين يحفظون حروفه وتجده منكر لعذاب القبر معطل لصفات الله جل في علاه  وتجد الآخر رادا على السلف تفسيرهم بأنها إسرائيليات متهم لهم بالحط على أنبياء الله وثالث لا يحسن الصلاة ولا الخطابة وإذا تكلم حسبته أعجميا لا سمت ولا هدي


فأي شيء هذا !



يقول الآجري في " أخلاق حملة القرآن 32 ":
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعْدِ بْنِ صَاعِدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ : نا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ لَنَا مَعْمَرٌ : عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قَدْ قَرَأَهُ عَبِيدٌ وَصِبْيَانٌ لا عِلْمَ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهِ ، وَلَمْ يَتَأَوَّلُوا الأَمْرَ مِنْ أَوَّلِهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ سورة) ص آية 29. وَمَا تَدَبُّرُ آيَاتِهِ إِلا اتِّبَاعُهُ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ، أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ ، لَيَقُولُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فَمَا أُسْقِطَ مِنْهُ حَرْفًا ، وَقَدْ وَاللَّهِ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ مَا تَرَى الْقُرْآنَ لَهُ مِنْ خُلُقٍ وَلا عَمَلٍ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ : إِنِّي لأَقْرَأُ السُّورَةَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ ، وَاللَّهِ مَا هَؤُلاءِ بِالْقُرَّاءِ وَلا الْحُكَمَاءِ وَلا الْوَرَعَةِ ، مَتَى كَانَتِ الْقُرَّاءُ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا ؟ لا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي النَّاسِ مِنْ هَؤُلاءِ " . اهـ



هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق