السبت، 31 مايو 2014

أُجْرَةُ الحَجَّامِ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،



فقد سمعت البعض يقول بأن كسب الحجام خبيث (بدون تفصيل: و كأنه يميل إلى القول بعدم جواز أخذه) و يستدل على ذلك بما خرجه مسلم في صحيحه (1568) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
" ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ وَ مهرُ البَغيِّ خَبِيثٌ وَ كَسْبُ الحَجََّامِ خَبِيثٌ ".


و الخبيث قد يطلق على الرديء و قد يطلق على المحرم، و مما يدل على أنه من النوع الأول ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما عند البخاري (2279) أنه قال:
" احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ ".


و كذلك ما خرجه أيضا في صحيحه (2278) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
" احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ ".


يقول ابن عثيمين في " شرح رياض الصالحين" (3/37) (باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد ):
" من إطلاق الخبيث على الكسب الرديء قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ ". الحجام الذي يُخرج الدم يخرج بالحجامة ، هذا كسبه خبيث ، يعني رديء وليس المراد أنه حرام ، قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لو كان كسب الحجام حراماً ما أعطاه النبي صلى الله عليه و سلم أجرته ، فقد احتجم النبي صلى الله عليه و سلم ، وأعطى الحجام أجره ، ولو كانت حراماً ما أعطاه ؛ لأن الرسول لا يقر على الحرام ولا يعين على الحرام ، لكن هذا من باب أنه كسب رديء دنيء ينبغي للإنسان أن يتنزه عنه ، وأن يحجم الناس إذا احتاجوا إلى حجامته تبرعاً وتطوعاً .

ومن إطلاق الخبيث على المحرم قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه و سلم : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) - [الأعراف: 157] ، يعني يحرم عليهم الخبائث وهي ضد الطيبات ، مثل الميتة ، لحم الخنزير ، المنخنقة ، الخمر ، وما أشبه ذلك. " اهـ.


و عليه فلا حرج من أخذ العوض على الحجامة. 
  
فإن قيل :الحجامة قديماً كانت بمص الدم، فالحجّام كان يمص دم المحجوم
أما اليوم توجد الآلات، فهل يغير هذا من الموضوع شيئا؟
  
قيل: لا،  لا يغير شيئا، بل على العكس، فبظهور هذه الآلات الحديثة و المعقمة انتفت العلة و لم يعد الحجّام بحاجة إلى مص الدم. و من المعلوم أن الحكم يدور مع العلة وجودا و عدما: فإن كان النبي صلى الله عليه و سلم يُقر أُجرة الحَجَّام مع وجود العلة التي من أجلها قال " كسب الحجام خبيث " ـ على المعنى الذي ذُكر ـ فكيف إذا انتفت !؟


و هناك أمر آخر ينبغي الإشارة إليه هو أن:
المُعطى من الأجر على الحجامة من باب الإجارة (وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئاً مَعْلُومَاً لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلاً مَعْلُوماً، مُدَّةً مَعْلُومَةً ) و إن لم يحصل الشفاء، بخلاف الرقية فلا يجوز فيها إلا الجعالة، و تكون بعد حصول الشفاء.

قال ابن قدامة كما في " المغني 5/541 " :
" قال ابن أبي موسى: لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء ".اهـ

فإن قيل: فلان لا يرقي بالقرآن، و إنما يرقي بالسُّنَّة فقط، فهل يجوز له أن يتفق مع المريض على أجرة مقابل القراءة و إن لم يحصل شفاء (أي عقد إجارة) ؟


قيل: السُّنَّة وحي كما أن القرآن وحي،
و الدليل قوله الله تعالى ( وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ  يُوحَى ) - [النجم].
  
و يدل عليه أيضا ما رواه المَرُوزِي في " السنة - 345 " قال:
حَدَّثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَنَا عِيسَى بَنْ يُونَس، عَنِ الأَوْزَاعِي عَنْ حَسَّان بَنْ عَطِيَّة قَالَ : " كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ ، كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ فُيُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ ".
و هذا صحيح عن حسان ابن عطية المحاربي. [و فيه الرد على المشاغبين]


فأخذ الأجرة على القراءة سواء كان من القرآن أو من السنة داخل في عموم قوله تعالى ( وَ لاَ تَشْتَرُوا بِآياَتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاَ ).


قال البغوي في " شرح السنة " بعد أن ذكر حديث ابن عباس الذي عند البخاري :
" و فيه دليل على جواز الرقية بالقرآن، و بذكر الله، و أخذ الأجرة عليه، لأن القراءة و النفث من الأفعال المباحة، و فيه إباحة أجر الطبيب و المعالج، فجعل المأخوذ على المعالجة، لا على مجرد القراءة " اهـ

و السنة من ذكر الله بلا شك !


و الله تعالى أعلم 
هذا وصل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق