بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،
فقد
سمعت البعض يقول بأن كسب الحجام خبيث (بدون تفصيل: و كأنه يميل إلى القول بعدم جواز
أخذه) و يستدل على ذلك بما خرجه مسلم في صحيحه (1568) من حديث رافع بن خديج رضي الله
عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
" ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ وَ
مهرُ البَغيِّ خَبِيثٌ وَ كَسْبُ الحَجََّامِ خَبِيثٌ ".
و الخبيث
قد يطلق على الرديء و قد يطلق على المحرم، و مما يدل على أنه من النوع الأول ما صح
عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما عند البخاري (2279) أنه قال:
" احْتَجَمَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً
لَمْ يُعْطِهِ ".
و كذلك
ما خرجه أيضا في صحيحه (2278) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ،
حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ:
" احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ
".
يقول ابن عثيمين في " شرح رياض الصالحين" (3/37) (باب الإنفاق
مما يحب ومن الجيد ):
" من إطلاق الخبيث على الكسب الرديء
قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ ". الحجام
الذي يُخرج الدم يخرج بالحجامة ، هذا كسبه خبيث ، يعني رديء وليس المراد أنه حرام ،
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لو كان كسب الحجام حراماً ما أعطاه النبي صلى
الله عليه و سلم أجرته ، فقد احتجم النبي صلى الله عليه و سلم ، وأعطى الحجام أجره
، ولو كانت حراماً ما أعطاه ؛ لأن الرسول لا يقر على الحرام ولا يعين على الحرام ،
لكن هذا من باب أنه كسب رديء دنيء ينبغي للإنسان أن يتنزه عنه ، وأن يحجم الناس إذا
احتاجوا إلى حجامته تبرعاً وتطوعاً .
ومن
إطلاق الخبيث على المحرم قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه و سلم : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) - [الأعراف: 157] ، يعني يحرم عليهم الخبائث وهي ضد الطيبات
، مثل الميتة ، لحم الخنزير ، المنخنقة ، الخمر ، وما أشبه ذلك. " اهـ.
و عليه
فلا حرج من أخذ العوض على الحجامة.
فإن
قيل :الحجامة قديماً كانت بمص الدم، فالحجّام كان يمص دم المحجوم
أما
اليوم توجد الآلات، فهل يغير هذا من الموضوع شيئا؟
قيل:
لا، لا يغير شيئا، بل على العكس، فبظهور هذه
الآلات الحديثة و المعقمة انتفت العلة و لم يعد الحجّام بحاجة إلى مص الدم. و من المعلوم
أن الحكم يدور مع العلة وجودا و عدما: فإن كان النبي صلى الله عليه و سلم يُقر أُجرة
الحَجَّام مع وجود العلة التي من أجلها قال " كسب الحجام خبيث " ـ على المعنى
الذي ذُكر ـ فكيف إذا انتفت !؟
و هناك
أمر آخر ينبغي الإشارة إليه هو أن:
المُعطى
من الأجر على الحجامة من باب الإجارة (وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئاً مَعْلُومَاً لِمَنْ
يَعْمَلُ لَهُ عَمَلاً مَعْلُوماً، مُدَّةً مَعْلُومَةً ) و إن لم يحصل الشفاء، بخلاف
الرقية فلا يجوز فيها إلا الجعالة، و تكون بعد حصول الشفاء.
قال
ابن قدامة كما في " المغني 5/541 " :
" قال ابن أبي موسى: لا بأس بمشارطة
الطبيب على البرء لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء ".اهـ
فإن
قيل: فلان لا يرقي بالقرآن، و إنما يرقي بالسُّنَّة فقط، فهل يجوز له أن يتفق مع المريض
على أجرة مقابل القراءة و إن لم يحصل شفاء (أي عقد إجارة) ؟
قيل:
السُّنَّة وحي كما أن القرآن وحي،
و الدليل
قوله الله تعالى ( وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) - [النجم].
و يدل
عليه أيضا ما رواه المَرُوزِي في " السنة - 345 " قال:
حَدَّثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم،
أَنَا عِيسَى بَنْ يُونَس، عَنِ الأَوْزَاعِي عَنْ حَسَّان بَنْ عَطِيَّة قَالَ : " كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ ، كَمَا يَنْزِلُ
عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ فُيُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ
".
و
هذا صحيح عن حسان ابن عطية المحاربي. [و فيه الرد على المشاغبين]
فأخذ
الأجرة على القراءة سواء كان من القرآن أو من السنة داخل في عموم قوله تعالى ( وَ لاَ
تَشْتَرُوا بِآياَتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاَ ).
قال
البغوي في " شرح السنة " بعد أن ذكر حديث ابن عباس الذي عند البخاري :
" و فيه دليل على جواز الرقية
بالقرآن، و بذكر الله، و أخذ الأجرة عليه، لأن القراءة و النفث من الأفعال المباحة،
و فيه إباحة أجر الطبيب و المعالج، فجعل المأخوذ على المعالجة، لا على مجرد القراءة
" اهـ
و السنة
من ذكر الله بلا شك !
و الله تعالى أعلم
هذا وصل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق