الحمد لله و
الصلاة و السلام على رسول الله ثم أما بعد؛
يقول ابن
القيم - الإمام العلم - في كتابه " بدائع الفوائد ":
" استبعد قوم أن يكون " الرحمن " نعث
لله، من قولنا { بسم
الله الرحمن الرحيم } [الفاتحة 1]،
و قالوا: "الرحمن" علم، و الأعلام لا ينعت بها،ثم قالوا: بدل من اسم
الله. قالوا: و يدل على هذا أن "الرحمن" علم مختص بالله لا يشاركه فيه
غيره، فليس كالصفات التي هي: العليم و القدير، و السميع و البصير، و لهذا تجري على
غيره تعالى. قالوا: و يدل عليه أيضا وروده في القرآن غير تابع لما قبله، كقوله
{الرحمن على العرش استوى } [طه 5]،
{ الرحمن علم القرآن } [الرحمن 1ـ2]. { أمن
هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن } [الملك 20] و هذا شأن
الأسماء المحضة؛ لأن الصفات لا يقتصر على ذكرها دون الموصوف.
قلت (ابن القيم): أسماء الرب تعالى هي أسماء و نعوت، فإنها
دالة على صفات كماله، فلا تَنافيَ فيها بين العلمية و الوصفية، فالرحمن اسمه تعالى
و صفته، لا تنافي اسميته وصفيته، فمن حيث هو صفة؛ جرى تابعا على اسم الله تعالى، و
من حيث هو اسم؛ ورد في القرآن غير تابع، بل ورد الاسم العلم.
و لما كان
هذا الاسم [يعني الرحمن] مختصًّا به تعالى، حسن مجيئه مفردا غير تابع، كمجيء اسمه
"الله" كذلك، و هذا لا ينافي دلالته على صفة "الرحمة" كاسمه
"الله"، فإنه دال على صفته بالألوهية، و لم يجىء قط تابعا لغيره، بل
متبوعا، و هذا بخلاف العليم و القدير، و السميع و البصير و نحوها، و لهذا لا تجيء
هذه مفردة، بل تابعة.
فتأمل هذه النكتة البديعة؛ يظهر لك بها أن
"الرحمن" اسم و صفة، لا ينافي أحدهما الآخر، و جاء استعمال القرآن
بالأمرين جميعا.
و أما الجمع
بين "الرحمن الرحيم"؛ ففيه معنى [...] و هو أن الرحمن دال على الصفة
القائمة به سبحانه، و الرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف و الثاني
للفعل: فالأول دال على أن الرحمة صفته، و الثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، و
إذا أردت فهم هذا؛ فتأمل قوله { و
كان بالمؤمنين رحيما } [الأحزاب
43] { إنه بهم رءوف رحيم } [التوبة 117]. و لم يجىء قط (رحمن
بهم) فعلم أن "رحمن" هو الموصوف بالرحمة، و "رحيم" هو الراحم
برحمته،
و هذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب، و إن تنفست عندها مرآة قلبك، لم تنجل
لك صورتها " اهـ
رحمة الله عليه.
هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله وصحبه و سلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق