الخميس، 19 يونيو 2014

مِنْ نَفَائِسِ ابْنِ القَيِّمِ: الرَّحْمَنُ اسْمٌ وَ صِفَةٌ

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ثم أما بعد؛


يقول ابن القيم - الإمام العلم - في كتابه " بدائع الفوائد ":
" استبعد قوم أن يكون " الرحمن " نعث لله، من قولنا بسم الله الرحمن الرحيم } [الفاتحة 1]، و قالوا: "الرحمن" علم، و الأعلام لا ينعت بها،ثم قالوا: بدل من اسم الله. قالوا: و يدل على هذا أن "الرحمن" علم مختص بالله لا يشاركه فيه غيره، فليس كالصفات التي هي: العليم و القدير، و السميع و البصير، و لهذا تجري على غيره تعالى. قالوا: و يدل عليه أيضا وروده في القرآن غير تابع لما قبله، كقوله {الرحمن على العرش استوى } [طه 5]، { الرحمن علم القرآن } [الرحمن 1ـ2]. { أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن } [الملك 20] و هذا شأن الأسماء المحضة؛ لأن الصفات لا يقتصر على ذكرها دون الموصوف.

قلت (ابن القيم): أسماء الرب تعالى هي أسماء و نعوت، فإنها دالة على صفات كماله، فلا تَنافيَ فيها بين العلمية و الوصفية، فالرحمن اسمه تعالى و صفته، لا تنافي اسميته وصفيته، فمن حيث هو صفة؛ جرى تابعا على اسم الله تعالى، و من حيث هو اسم؛ ورد في القرآن غير تابع، بل ورد الاسم العلم.

و لما كان هذا الاسم [يعني الرحمن] مختصًّا به تعالى، حسن مجيئه مفردا غير تابع، كمجيء اسمه "الله" كذلك، و هذا لا ينافي دلالته على صفة "الرحمة" كاسمه "الله"، فإنه دال على صفته بالألوهية، و لم يجىء قط تابعا لغيره، بل متبوعا، و هذا بخلاف العليم و القدير، و السميع و البصير و نحوها، و لهذا لا تجيء هذه مفردة، بل تابعة.

فتأمل هذه النكتة البديعة؛ يظهر لك بها أن "الرحمن" اسم و صفة، لا ينافي أحدهما الآخر، و جاء استعمال القرآن بالأمرين جميعا.

و أما الجمع بين "الرحمن الرحيم"؛ ففيه معنى [...] و هو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، و الرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف و الثاني للفعل: فالأول دال على أن الرحمة صفته، و الثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، و إذا أردت فهم هذا؛ فتأمل قوله { و كان بالمؤمنين رحيما } [الأحزاب 43] { إنه بهم رءوف رحيم } [التوبة 117]. و لم يجىء قط (رحمن بهم) فعلم أن "رحمن" هو الموصوف بالرحمة، و "رحيم" هو الراحم برحمته،
و هذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب، و إن تنفست عندها مرآة قلبك، لم تنجل لك صورتها " اهـ

رحمة الله عليه.

هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله  وصحبه و سلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق