الجمعة، 11 ديسمبر 2015

" وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ "

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،


قال الله تعالى ( وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) [الأعراف]

قال أبو العالية: 
" هُوَ ذَلِكَ الْعَهْدُ يَعْنِي يَوْمَ أَخَذَ الميثاق ". [تفسير ابن أبي حاتم 8781]



يريد قوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) [الأعراف 172]



يقول الطبري في "تفسيره  11916 ":
حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا كلثوم بن جبر ، قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } قال : سألت عنها ابن عباس ، فقال : مسح ربك ظهر آدم ، فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا ، وأشار بيده ، فأخذ مواثيقهم ، وأشهدهم على أنفسهم { ألست بربكم قالوا بلى }.اهـ

نعمان مكان وراء عرفة.


و قال البغوي في "تفسيره ":
" قَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : إِنَّ اللَّهَ مَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِ آدَمَ الْيُمْنَى فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ يَتَحَرَّكُونَ ، ثُمَّ مَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ ، فَقَالَ : يَا آدَمُ هَذِهِ ذُرِّيَّتُكَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا : بَلَى ، فَقَالَ لِلْبِيضِ : هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِي وَلَا أُبَالِي وَهُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ ، وَقَالَ لِلسُّودِ : هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي ، وَهُمْ أَصْحَابُ الشِّمَالِ ، ثُمَّ أَعَادَهُمْ جَمِيعًا فِي صُلْبِهِ ، فَأَهْلُ الْقُبُورِ مَحْبُوسُونَ حَتَّى يَخْرُجَ أَهْلُ الْمِيثَاقِ كُلُّهُمْ مِنْ أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ الْأَوَّلَ : " وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ " الْأَعْرَافُ/ 102 .

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : إِنَّ أَهْلَ السَّعَادَةِ أَقَرُّوا طَوْعًا وَقَالُوا : بَلَى ، وَأَهْلَ الشَّقَاوَةِ قَالُوهُ تَقِيَّةً وَكَرْهًا ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا " آلُ عِمْرَانَ/83 .

وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْمِيثَاقِ ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : بِبَطْنِ نُعْمَانَ ء وَادٍ إِلَى جَنْبِ عَرَفَةَ ء وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ بِدَهْنَاءَ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ، وَقَالَ السُّدِّيُّ : أَخْرَجَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْجَنَّةِ فَلَمْ يَهْبِطْ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ . وَرُوِيَ : أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُمْ جَمِيعًا وَصَوَّرَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ عُقُولًا يَعْلَمُونَ بِهَا وَأَلْسُنًا يَنْطِقُونَ بِهَا ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا ء يَعْنِي عِيَانًا ء وَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِأَمْثَالِ الذَّرِّ فَهْمًا تَعْقِلُ بِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : " قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ " النَّمْلُ/18 .

وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُمْ جَمِيعًا : اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي وَأَنَا رَبُّكُمْ لَا رَبَّ لَكُمْ غَيْرِي فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا ، فَإِنِّي سَأَنْتَقِمُ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِي وَلَمْ يُؤْمِنْ بِي ، وَإِنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي ، وَمُنَزِّلٌ عَلَيْكُمْ كُتُبًا ، فَتَكَلَّمُوا جَمِيعًا ، وَقَالُوا : شَهِدْنَا أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرَكَ ، فَأَخَذَ بِذَلِكَ مَوَاثِيقَهُمْ ، ثُمَّ كَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَقَاهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ آدَمُ فَرَأَى مِنْهُمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَدُونَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : رَبِّ لَوْلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ ، فَلَمَّا قَرَّرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ وَأَشْهَدَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَعَادَهُمْ إِلَى صُلْبِهِ فَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ كُلُّ مَنْ أَخَذَ مِيثَاقَهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ " أَيْ : مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ ذُرِّيَّتَهُمْ ". اهـ



يقول أبو نعيم في "الحلية ":
حَدَّثَنَا محمد بن معمر ، قَالَ : ثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ، قَالَ : ثَنَا يحيى بن عبد الله ، قَالَ : ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ يحيى ، يَقُولُ : لَوْلَا أَنَّ السَّاعَةَ مَوْعِدُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَخُسِفَ بِطَائِفَةٍ ، وَطَائِفَةٌ تَنْظُرُ .اهـ



هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه  وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق