قال الله تعالى ( وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ
عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) [الأعراف]
قال أبو العالية:
"
هُوَ ذَلِكَ الْعَهْدُ يَعْنِي يَوْمَ أَخَذَ الميثاق ". [تفسير ابن أبي حاتم
8781]
يريد قوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ
مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا
غَافِلِينَ ) [الأعراف 172]
يقول الطبري في "تفسيره 11916 ":
حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا
كلثوم بن جبر ، قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذرياتهم } قال : سألت عنها ابن عباس ، فقال : مسح ربك ظهر آدم ، فخرجت كل نسمة هو خالقها
إلى يوم القيامة بنعمان هذا ، وأشار بيده ، فأخذ مواثيقهم ، وأشهدهم على أنفسهم { ألست
بربكم قالوا بلى }.اهـ
نعمان مكان وراء عرفة.
و قال البغوي في "تفسيره ":
"
قَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : إِنَّ اللَّهَ مَسَحَ صَفْحَةَ
ظَهْرِ آدَمَ الْيُمْنَى فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ
يَتَحَرَّكُونَ ، ثُمَّ مَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً
سَوْدَاءَ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ ، فَقَالَ : يَا آدَمُ هَذِهِ ذُرِّيَّتُكَ ، ثُمَّ
قَالَ لَهُمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا : بَلَى ، فَقَالَ لِلْبِيضِ : هَؤُلَاءِ
فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِي وَلَا أُبَالِي وَهُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ ، وَقَالَ
لِلسُّودِ : هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي ، وَهُمْ أَصْحَابُ الشِّمَالِ
، ثُمَّ أَعَادَهُمْ جَمِيعًا فِي صُلْبِهِ ، فَأَهْلُ الْقُبُورِ مَحْبُوسُونَ حَتَّى
يَخْرُجَ أَهْلُ الْمِيثَاقِ كُلُّهُمْ مِنْ أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ
. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ الْأَوَّلَ : " وَمَا وَجَدْنَا
لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ " الْأَعْرَافُ/ 102 .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : إِنَّ أَهْلَ السَّعَادَةِ
أَقَرُّوا طَوْعًا وَقَالُوا : بَلَى ، وَأَهْلَ الشَّقَاوَةِ قَالُوهُ تَقِيَّةً وَكَرْهًا
، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
طَوْعًا وَكَرْهًا " آلُ عِمْرَانَ/83 .
وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْمِيثَاقِ ؛ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : بِبَطْنِ نُعْمَانَ ء وَادٍ إِلَى جَنْبِ عَرَفَةَ
ء وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ بِدَهْنَاءَ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ
الَّذِي هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : بَيْنَ
مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ، وَقَالَ السُّدِّيُّ : أَخْرَجَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مِنَ الْجَنَّةِ فَلَمْ يَهْبِطْ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ
ذُرِّيَّتَهُ . وَرُوِيَ : أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُمْ جَمِيعًا وَصَوَّرَهُمْ وَجَعَلَ
لَهُمْ عُقُولًا يَعْلَمُونَ بِهَا وَأَلْسُنًا يَنْطِقُونَ بِهَا ثُمَّ كَلَّمَهُمْ
قُبُلًا ء يَعْنِي عِيَانًا ء وَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَجَائِزٌ
أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِأَمْثَالِ الذَّرِّ فَهْمًا تَعْقِلُ بِهِ
، كَمَا قَالَ تَعَالَى : " قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَسَاكِنَكُمْ " النَّمْلُ/18 .
وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُمْ جَمِيعًا
: اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي وَأَنَا رَبُّكُمْ لَا رَبَّ لَكُمْ غَيْرِي
فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا ، فَإِنِّي سَأَنْتَقِمُ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِي وَلَمْ
يُؤْمِنْ بِي ، وَإِنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي
، وَمُنَزِّلٌ عَلَيْكُمْ كُتُبًا ، فَتَكَلَّمُوا جَمِيعًا ، وَقَالُوا : شَهِدْنَا
أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرَكَ ، فَأَخَذَ بِذَلِكَ مَوَاثِيقَهُمْ
، ثُمَّ كَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَقَاهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ
آدَمُ فَرَأَى مِنْهُمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَدُونَ ذَلِكَ
، فَقَالَ : رَبِّ لَوْلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ
، فَلَمَّا قَرَّرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ وَأَشْهَدَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَعَادَهُمْ
إِلَى صُلْبِهِ فَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ كُلُّ مَنْ أَخَذَ مِيثَاقَهُ
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ
ظُهُورِهِمْ " أَيْ : مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ ذُرِّيَّتَهُمْ ". اهـ
يقول أبو نعيم في "الحلية ":
حَدَّثَنَا محمد بن معمر ، قَالَ : ثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ
الْحَرَّانِيُّ ، قَالَ : ثَنَا يحيى بن عبد الله ، قَالَ : ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ
، قَالَ : سَمِعْتُ يحيى ، يَقُولُ : لَوْلَا أَنَّ السَّاعَةَ مَوْعِدُ هَذِهِ الْأُمَّةِ
لَخُسِفَ بِطَائِفَةٍ ، وَطَائِفَةٌ تَنْظُرُ .اهـ
هذا و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق