الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
يقول البخاري في صحيحه ٦٩٧٣ :
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآن.
٤٦٣٦ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ أَنْ
يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ.
قَالَ سُفْيَانُ [ابن عيينة] : تَفْسِيرُهُ يَسْتَغْنِي
بِهِ.
وكان ابن عيينة إذا ذكر الحديث قرأ قوله تعالى (وَلَقَدْ
آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ
عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)
يقول القاسم بن سلام في غريب الحديث ١٢٤ :
في حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم : "ليس منّا من
لم يتغنَّ بالقرآن".
كان "سفيان بن عيينة"، يقول معناه: من لم
يستغن به، ولا يذهب به إلى الصوت، وليس للحديث عندي وجه غير هذا؛ لأنه في حديث آخر
كأنه مفسّر.
قال
حدثني شبابة، عن حسام بن مصكّ، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن نهيك أو ابن أبي
نهيك قال حسام فلقيت عبد الله بن نهيك أو ابن أبي نهيك فحدثني أنه دخل على
"سعد" وعنده متاع رثٌّ، ومثال رثٌّ، فقال قال رسول الله ءصلى الله عليه
وسلمء: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".
قال أبو عبيد، فذكره رثاثة المتاع والمثال عند هذا
الحديث، ينبئك أنَّه إنَّما أزاد الاستغناء بالمال القليل، وليس الصوت من هذا في
شيء. ويبيِّن ذلك حديث "عبد الله". قال: حدَّثناه ابن مهديِّ، عن سفيان،
عن أبي إسحاق، عن سليم بن حنظلة، عن "عبد الله" قال: "من قرأ سورة
"آل عمران" فهو غنيُّ".
قال: وحدَّثناه الأشجعيٌّ، عن مسعر، قال: حدَّثنا جابر
ءقبل أن يقع فيما وقع فيهء عن الشعبيِّ، عن عبد الله أنَّه قال: "نعم كنز
الصعلوك سورة "آل عمران" يقوم بها من آخر الليل".
قال أبو عبيد: فأرى الأحاديث كلَّها إنَّما دلَّت على
الاستغناء.
ومنه الحديث الآخر: "من قرأ القرآن، فرأى أنَّ
أحدًا أعطى أفضل ممّا أعطى، فقد عظَّم صغيرًا، وصغَّر عظيمًا".
ومعنى الحديث أنَّه لا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أنَّ
أحدًا من أهل الأرض أغنى منه، ولو ملك الدنيا برحبها. ولو كان وجهه كما يتأوَّله
بعض النَّاس أنَّه الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك
أن يكون: من لم يرجِّع صوته بالقرآن، فليس من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حين
قال: "ليس منَّا من لَّم يتغنَّ بالقرآن". وهذا لا وجه له ".اهـ
وذهب الشافعي إلى أن المراد هو التحزّن بالقرآن والترنّم
به. [الحلية 9/104].
وذكر الخطابي : أن العرب كانت تتغنى بالركباني
(الأناشيد) إذا ركبت الإبل أو إذا تبطحت على الأرض فلما نزل القرآن استغنوا به عن
هذه الركباني ". [غريب الحديث بتصرف]
وما يعلم أن أحدا ذكر الألحان أو الغناء أو شيء من هذا
القبيل
يقول ابن أبي شيبة في مصنفه :
٢٩٩٤٦ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: "
كُنَّا مَعَ أَبِي مُوسَى فَجِئْنَا اللَّيْلَ إِلَى بُسْتَانٍ خَرِبٍ، قَالَ:
«فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ قِرَاءَةً حَسَنَةً».
٢٩٩٤٧ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ
أَبَا مُوسَى، كَانَ يَقْرَأُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعْنَ فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ لَحَبَّرْتُ
تَحْبِيرًا أَوْ تَشَوَّقْتُ تَشْوِيقًا».
٢٩٩٤٩ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ: «أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ عِنْدَ أَنَسٍ فَطَرِبَ
فَكَرِهَ ذَلِكَ أَنَسٌ»
٢٩٩٥٠ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ: أَنَّ زِيَادَ النُّمَيْرِيَّ، جَاءَ مَعَ الْقُرَّاءِ إِلَى أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ: «اقْرَأْ»، فَرَفَعَ صَوْتَهُ، وَكَانَ رَفِيعَ الصَّوْتِ،
فَكَشَفَ أَنَسٌ عَنْ وَجْهِهِ الْخِرْقَةَ، وَكَانَ عَلَى وَجْهِهِ خِرْقَةٌ
سَوْدَاءُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟، مَا هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»، وَكَانَ
إِذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ كَشَفَ الْخِرْقَةَ عَنْ وَجْهِهِ.
وقال ابن أبي شيبة ٣٠٠٢٩ :
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ صَفَاءً لِلَّهِ، وَلَا تَنَطَّعُوا فِيهِ».
وقال ابن سعد في الطبقات ٦\٢٧٠ :
أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ لِرَجُلٍ: مَا الَّذِي أَحْدَثْتُمْ بَعْدِي؟ قَالَ: لَمْ نُحَدِثْ
بَعْدَكَ شَيْئًا. قَالَ: بَلَى. الأَعْمَى وَابْنُ الصَّيْقَلِ يُغَنِّيَانِكُمْ
بِالقُرْآنِ.
و قال أبو نعيم في الحلية ٤\٢٧٣ :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا وَهْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِوَرْقَاءَ يَعْنِي ابْنَ إِيَاسٍ: كَانَ سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ يَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْيَوْمَ،
يَطْرَبُونَ أَوْ يُرَدِّدُونَ؟ قَالَ: " مَعَاذَ اللهِ، إِلَّا أَنَّهُ
كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي حم الْمُؤْمِنِ {إِذِ
الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ} [غافر: 71] مَدَّهَا
شَيْئًا ".
وقال ابن أبي شيبة في مصنفه ٢٩٩٤٤ :
حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ:
" كَانَ يُقَالُ: أَحْسَنُ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ أَخْشَاهُمْ
لِلَّهِ ".
وقال البيهقي في السنن الكبرى ٢٤٢٩ :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنبأ أَبُو
بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ،
ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ
يَقُولُ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: مَرَّ بِنَا أَبُو لُبَابَةَ
فَاتَّبَعْنَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا رَجُلٌ
رَثُّ الْبَيْتِ رَثُّ الْهَيْئَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ
".
قَالَ: فَقُلْتُ لَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: " يَا
أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ قَالَ: يُحَسِّنُهُ
مَا اسْتَطَاعَ ".
وقال عبد الله في العلل ٣٤٧:
حَدثنِي مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي قَالَ سَمِعت
حَمَّاد بن سَلمَة يقْرَأ الشجن.
فالتغني بالقرآن تحسين الصوت به وتحبيره وتحزينه دون
تنطع وخشية الله به والإستغناء به
أما هذه الألحان والقراءة بالمقامات فشيء محدث
يقول عبد الله بن أحمد في العلل ٢٥٦٤ :
سَأَلت أَبِي عَن الْقِرَاءَة بألحان فكرهها وَقَالَ
لَا، إِلَّا أَن يكون طبع الرجل مثل قِرَاءَة أَبِي مُوسَى حدرًا.
وقال أيضا ٢٥٦٣ :
قَالَ أَبِي: كُنَّا عِنْد وهب بْن جرير وَكَانَ
مُحَمَّد بْن سَعِيد التِّرْمِذِيّ فَسَأَلُوهُ أَن يقْرَأ فَقَالَ لَا أَقرَأ أَو
يَأْمُرنِي أَحْمَد. قَالَ فَلم أفعل، قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن: فَقلت
لمُحَمد بْن سَعِيد لِمَ لَمْ تقْرَأ قَالَ خفت أَلا تعجبه قراءتي فَتكون عَليّ
وَصمْة.
فما الظن بقراء زماننا لو قرأوا عند الإمام أحمد ؟
يقول الآجري في أخلاق أهل القرآن ١\١٦٥ :
" فَأُحِبُّ لِمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
أَنْ يَتَحَزَّنَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ ، وَيَتَبَاكَى وَيَخْشَعَ قَلْبُهُ ،
وَيَتَفَكَّرُ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِيَسْتَجْلِبَ بِذَلِكَ الْحُزْنَ ،
أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا نَعَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ هُوَ بِهَذِهِ
الصِّفَةِ؟ ، وَأَخْبَرَنَا بِفَضْلِهِمْ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٣] الْآَيَةَ ، ثُمَّ ذَمَّ قَوْمًا اسْتَمَعُوا
الْقُرْآنَ فَلَمْ تَخْشَعْ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَمِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ
سَامِدُونَ} [النجم: ٦٠] ثُمَّ يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أَنْ يُرَتِّلَ
كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:
٤] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: تُبَيِّنُهُ تَبْيِينًا ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا
رَتَّلَهُ وَبَيَّنَهُ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْهُ ، وَانْتَفَعَ هُوَ
بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}
[الإسراء: ١٠٦] عَلَى تُؤَدَةٍ ".اهـ
هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق